أخبار المسدود
  الطَّنبوريّ، فوجد المسدود من ذلك، فكان يبلغه عنه ما يكره ويتجاوز عنه(١). وكان المسدود قد هجاه ببيتين، فكانا معه في رقعة، وفي رقعة أخرى حاجة له(٢) يريد أن يرفعها إليه، فغلط بين الرقعتين، فناوله رقعة الشّعر وهو يرى أنها رقعة الحاجة، فقرأها وفيها:
  من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين
  أنا طبل له شقّ ... فيا طبلا بشقّين
  فلما قرأ الرقعة علم أنها فيه، فقال للمسدود: خلطت(٣) في الرقعتين، فهات الأخرى وخذ هذه واحترز(٤) من مثل هذا، واللَّه ما زاده على هذا القول.
  من أجوبته الموجعة:
  أخبرني جحظة، قال: تحدث المسدود في مجلس المنتصر بحديث، فقال له المنتصر: متى كان ذلك؟ قال:
  ليلة لا ناه ولا زاجر، يعرّض له بليلة قتل فيها المتوكل(٥)، فأغضى(٦) المنتصر واحتمله.
  قال: وقالت الذكورية يوما بين يدي المعتمد: غنّ يا مسدود، قال: نعم يا مفتوحة! وقالت له امرأة: كيف آخذ إلى شجرة بابك؟ قال: قدّامك، أطعمك(٧) اللَّه من ثمرها.
  قال: وغنى بين يدي المتوكل، فسكَّته وقال لبكران الشيري(٨): تغنّ أنت، فقال المسدود: أنا(٩) أحتاج إلى مستمع، فلم يفهم المتوكل ما قال.
  / وقدّم إليه طبّاخ المتوكل طبقا وعليه رغيفان، ثم قال له: أيّ شيء تشتهي حتى أجيئك به؟ قال: خبزا، فبلغ ذلك المتوكل، فأمر بالطباخ فضرب مائتي مقرعة.
  قال جحظة: وحدّثني بعض الجلساء أنه لما وضع الطباخ الرغيفين بين يديه قال له المسدود: هذا حرز فأين(١٠) النير؟ قال ودعاه بعض الرؤساء(١١) فأهدى له برذونا أشهب(١٢)، فارتبطه ليلته، فلما كان من غد نفق، وبعث إليه يدعوه بعد ذلك، فكتب: أنا لا أمضي إلى من يعرف آجال الدواب، فيهب ما قرب أجله منها.
  قال: واستوهب من بعض الرؤساء وبرا، فأعطاه سمّورا قد قرع بعضه، فردّه وقال: ليس هذا سمورا، هذا أشكر(١٣).
(١) كذا في «المختار». وسقطت (عنه) في س. وفي ف: «فيتجاوز».
(٢) في «المختار» و «التجريد» وف: «لامرأة تريد أن ترفعها».
(٣) في «المختار» و «التجريد»: «غلطت».
(٤) في «المختار» و «التجريد» وف وهد: «واحترس».
(٥) في «التجريد»: «المتوكل وأن ذلك كان بأمره».
(٦) هد: «فأحفظ».
(٧) في ف: «أطعمك من ثمرها».
(٨) في ف: «الشيزي». وفي هد: «لشكران الشاري».
(٩) كذا في ف. وفي ب: «لغناء أحتاج»، وهو تحريف.
(١٠) الحرز: العوذة. والنير: هدب الثوب، والخيوط إذا اجتمعت، وفي ف: «هذا جور، فأين التين»، ولا معنى له.
(١١) كذا في ف. وفي ب، س: «ودعاه بجار حداه أو غيره»، وهو تحريف.
(١٢) الأشهب: الأبيض يتخلل بياضه سواد.
(١٣) أشكر: لعله وصف من شكر النخل: إذا نبت الشكير حول أصوله، وهو فراخه، والشكير أيضا: الصغير الشعر.