كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عمرو بن أبي الكنات

صفحة 454 - الجزء 20

  قلت لابن جامع⁣(⁣١) يوما: هل غلبك أحد من المغنين قط؛ قال: نعم؛ كنت ليلة ببغداد إذ جاءني رسول الرشيد⁣(⁣٢)؛ يأمرني بالركوب؛ فركبت حتى إذا صرت إلى الدار، فإذا أنا بفضل بن الربيع معه زلزل العواد وبرصوما: فسلمت وجلست قليلا، ثم طلع خادم فقال للفضل: هل جاء؟ فقال: لا، قال: فابعث إليه؛ ولم يزل المغنون يدخلون واحدا بعد واحد حتى كنا ستة أو سبعة.

  ثم طلع الخادم فقال: هل جاء؟ فقال: لا، قال: قم⁣(⁣٣)؛ فابعث في طلبه؛ فقام فغاب غير طويل؛ فإذا هو قد جاء بعمرو بن أبي الكنّات؛ فسلم؛ وجلس إلى جنبي فقال لي: من هؤلاء؟ قلت مغنون؛ وهذا زلزل، وهذا برصوما. فقال: واللَّه لأغنينك غناء يخرق هذا السقف وتجيبه الحيطان ولا يفهمون منه شيئا. قال: ثم طلع الخصيّ فدعا بكراسيّ؛ وخرجت الجواري. فلما جلسن قام الخادم للمغنين: شدوا، فشدّوا عيدانهم⁣(⁣٤)، ثم قال: نعم يا بن جامع؛ فغنيت سبعة أو ثمانية أصوات. ثم قال: اسكت وليغنّ إبراهيم الموصلي؛ فغنى مثل ذلك أو دونه. ثم سكت؛ فلم يزل يمرّ القوم واحدا واحدا حتى فرغوا.

  / ثم قال: لابن أبي الكنّات: غنّ، فقال لزلزل: شد طبقتك⁣(⁣٥)، فشد ثم أخذ العود من يده فحبّسه حتى وقف على الموضع الَّذي يريده، ثم قال: على هذا وابتدأ بصوت أوله: ألالا: فو اللَّه لقد خيّل لي أن الحيطان تجاوبه. ثم رجع النغم فيه. فطلع الخصيّ فقال له: اسكت. لا تتم الصوت، فسكت.

  ثم قال: يحبس عمرو بن أبي الكنّات، وينصرف باقي المغنين، فقمنا بأكسف حال وأسوإ بال، لا واللَّه ما زال كل واحد منا يسأل صاحبه عن كل شعر يرويه من الغناء الَّذي أوله: ألالا، طمعا في أن يعرفه أو يوافق غناءه. فما عرفه منا أحد وبات عمرو ليلته عند الرشيد، وانصرف / من عنده بجوائز وصلات وطرف سنيه.

  يغني وقد دفع من عرفة فيزحم الناس الطريق:

  قال هارون: وأخبرني محمد بن عبد اللَّه عن موسى بن أبي المهاجر قال:

  خرج ابن جامع وابن أبي الكنّات حين⁣(⁣٦) دفعا من عرفة حتى إذا كان بين المأزمين⁣(⁣٧) جلس عمرو على طرف الجبل، ثم اندفع يغني، فوقف القطارات، وركب الناس بعضهم بعضا حتى صاحوا واستغاثوا: يا هذا، اللَّه اللَّه.

  اسكت عنا يجز الناس، فضبط إسماعيل بن جامع بيده على فيه حتى مضى الناس إلى مزدلفة.

  يغني على جسر بغداد فتمتلئ الجسور بالناس:

  قال هارون: وحدّثني عبد الرحمن بن سليمان عن عليّ بن أبي الجهم قال: حدّثني من أثق به قال.

  وافقت ابن أبي الكنّات المديني⁣(⁣٨) على جسر بغداد أيام الرشيد. فحدثته بحديث اتصل بي عن ابن عائشة أنه


(١) ف: «إسماعيل بن جامع».

(٢) في ف: «أمير المؤمنين».

(٣) كذا في ف. وفي س، ب: «نعم»، تحريف.

(٤) هد، ف: «قال الخادم للمغنين: سووا، فسووا عيدانهم».

(٥) في ف: «طبقك».

(٦) في «نهاية الأرب»: «حين دفع الإمام من عرفة».

(٧) المأزمان: اسم لعدة مواضع، منها موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفه.

(٨) في ف، و «نهاية الأرب»: واقفت ابن أبي الكنات على جسر.