كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أسماء بن خارجة وابنته هند

صفحة 458 - الجزء 20

  أحبّ إليّ من رضا هند، فخطبها إلى محمد بن عمير، فزوجه إيّاها، فقال أسماء لمحمد بن عمير، وضرب بيده على منكبه:

  دونك ما أسديته يا بن حاجب ... سواء كعين⁣(⁣١) الديك أو قذّة⁣(⁣٢) النسر

  بقولك للحجاج إن كنت ناكحا ... فلا تعد هندا من نساء بني بدر

  فإن أباها لا يرى أنّ خاطبا ... كفاء له إلا المتوج من فهر

  فزوجتها الحجاج لا متكارها ... ولا راغبا⁣(⁣٣) عنه ونعم أخو الصهر

  أردت ضراري فاعتمدت مسرتي ... وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري

  فإن ترها عارا فقد جئت مثلها ... وإن ترها فخرا فهل لك من شكر؟

  أحبت هند عبيد اللَّه بن زياد حبّا شديدا:

  قال المدائنيّ حدّثني الحرمازي عن الوليد بن هشام القحذمي وكان كاتب خالدا القسريّ ويوسف بن عمر⁣(⁣٤) أن هندا بنت أسماء كانت تحت⁣(⁣٥) عبيد اللَّه بن زياد، وكان أبا عذرها، فلما قتل - وكانت معه - لبست قباء، وتقلَّدت سيفا، وركبت فرسا / لعبيد اللَّه كان يقال لها: الكامل، وخرجت حتى دخلت الكوفة ليس معها دليل، ثم كانت بعد ذلك أشدّ خلق اللَّه جزعا عليه، ولقد قالت يوما: إني لأشتاق إلى القيامة لأرى وجه عبيد اللَّه بن زياد.

  بشر بن مروان يتزوجها:

  فلما قدم بشر بن مروان الكوفة دلّ عليها، فخطبها، فزوّجها، فولدت له عبد الملك بن بشر، وكان ينال من الشراب ويكتم ذلك، وكان إذا صلَّى العصر خلا في ناحية من داره ليس معه أحد إلا أعين مولاه صاحب حمّام أعين بالكوفة، وأخذ في شأنه. فلم تزل هند تتجسّس خبره حتى عرفته، فبعثت مولى لها، فأحضرها أطيب شراب وأحدّه وأشده وأرقه وأصفاه، وأحضرت⁣(⁣٦) له طعاما علمت أنه يشتهيه، وأرسلت إلى أخويها: مالك وعيينة، فأتياها وبعثت إلى بشر واعتلَّت عليه بعلة، فجاءها فوضعت بين يديه ما أعدّته، فأكل وشرب، وجعل مالك يسقيه، وعيينه يحدّثه، وهند تريه وجهها. فلم يزل في ذلك حتى أمسى، فقال: هل عندكم من هذا شيء نعود عليه غدا؟ فقالت: هذا دائم لك ما أردته، فلزمها وبقي أعين يتبع الديار بوجهه ولا يرى بشرا، إلا أن يبحث عن أمره فعرفه، وعلم أنه ليس فيه حظ بعدها. قال ومات عنها بشر فلم تجزع عليه، فقال الفرزدق في ذلك:

  فإن تك⁣(⁣٧) لا هند بكته فقد بكت ... عليه الثريا في كواكبها الزّهر


(١) يضرب المثل بعين الديك في الصفاء.

(٢) قذة النسر: ريشه، كأنها في مقابلة عين الديك كناية عن المشارة والمعاداة.

(٣) كذا في ف. وفي س، ب: «باغيا»، تحريف.

(٤) كذا في ب، ف. س: «ابن عمران»، تحريف.

(٥) كذا في ف، وفي س، ب: «ثحب».

(٦) في ف: «أصلحت».

(٧) في ف: «فإلا تكن».