أخبار أبي نخيلة ونسبه
  دخلت مع أبي إلى أرض له وقد قدم من مكة، فرآها وقد أضرّ بها جفاء القيّم عليها وتهاونه بها، وكلما رآه الذين يسقونها زادوا في العمل والعمارة حتى سمعت نقيض الليف، فقلت: الساعة يقول في هذا شعرا، فلم ألبث أن التفت إليّ وقال:
  شاهد مالا ربّ مال فساسه ... سياسة شهم حازم وابن حازم
  / أقام بها العصرين حينا(١) ولم يكن ... كمن ضنّ عن عمرانها بالدراهم
  كأنّ نقيض الليف عن سعفاته ... نقيض رحال الميس(٢) فوق العياهم(٣)
  / وأضحت تغالي(٤) بالنبات كأنها ... على متن شيخ من شيوخ الأعاجم
  وما الأصل ما رويت مضرب(٥) عرقه ... من الماء عن إصلاح فرع بنائم
  أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد عن أبي الأزهر البوشنجيّ قال: حدثنا حماد بن إسحاق الموصليّ عن النضر بن حديد عن أبي محضة عن الأزرق بن الخميس بن أرطاة - وهو ابن أخت أبي نخيلة - فذكر قريبا مما ذكر في الخبر الَّذي قبله.
  يسأل فلا يعطى فيهجو ثم يعطى فيمدح:
  وأخبرني عيسى بن الحسن الورّاق المروزيّ قال: حدثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال: حدّثني أبي قال:
  ابتاع أبو نخيلة دارا في بني حمّان ليصحح بها نسبه، وسأل في بنائها، فأعطاه الناس اتقاء للسانه وشرّه، فسأل شبيب بن شيبة(٦) فلم يعطه شيئا واعتذر إليه، فقال:
  يا قوم لا تسوّدوا شبيبا ... الملذان(٧) الخائن الكذوبا
  هل تلد الذّيبة إلا الذيبا
  فقال شبيب: ما كنت لأعطيه على هذا القول شيئا، فإنه قد جعل إحدى يديه سطحا، وملأ الأخرى سلحا، وقال: من وضع شيئا في سطحي وإلا ملأته بسلحي، من أجل دار يريد أن يصحح نسبه بها، فسفر بينهما مشايخ الحيّ يعطيه، فأبى شبيب أن يعطيه شيئا، وحلف أبو نخيلة ألا يكفّ عن عرضه أو يأخذ منه شيئا يستعين به. فلما رأى شبيب ذلك خافه، فبعث إليه بما سأل، وغدا أبو نخيلة عليه وهو جالس في مجلسه مع قومه، فوقف عليهم، ثم أنشأ يقول:
  /
  إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
  من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
(١) كذا في ف، وفي باقي الأصول:
«أقام به العمران جير»
(٢) نقيض الرحال: صوتها، والميس: التبختر.
(٣) العياهم: جمع عيهم، وهو الشديد، والناقة السريعة.
(٤) وهو من غالي بالسهم إذا رفع به يديه لأقصى الغاية. وفي ف: تعالي.
(٥) كذا في أ، م. وفي ب، س: «مضروب». وفي ف: «ضرب عروقه».
(٦) في معظم الأصول «شبة»، تحريف.
(٧) الملذان: المتصنع الَّذي لا تصح مودته.