كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة

صفحة 41 - الجزء 21

  عرفت أنه محدث من غناء النساء، ولما رأيت جودة مقاطعه علمت أنّ صاحبته ضاربة، وقد حفظت مقاطعه وأجزاءه، ثم طلبت عودا آخر، فلم أشكّ، فقال: صدقت، الغناء لعريب.

  قال ابن المعتز: وقال يحيى بن عليّ⁣(⁣١):

  أمرني المعتمد على اللَّه أن أجمع غناءها الذي صنعته، فأخذت منها دفاترها وصحفها التي كانت قد جمعت فيها غناءها فكتبته فكان ألف صوت.

  أصواتها كمّا وكيفا

  : وأخبرني علي بن عبد العزيز، عن ابن خرداذبه:

  أنه سأل عريب عن صنعتها، فقالت: قد بلغت إلى هذا الوقت ألف صوت.

  وحدثني محمد بن إبراهيم قريض⁣(⁣٢) أنه جمع غناءها من ديواني ابن المعتز، وأبي العبيس بن حمدون، وما أخذه عن بدعة جاريتها التي أعطاها إياها بنو هاشم، فقابل بعضه ببعض، فكان ألفا ومائة وخمسة وعشرين صوتا.

  وذكر العتّابيّ أنّ أحمد بن يحيى حدثه: قال:

  سمعت أبا عبد اللَّه الهشاميّ يقول - وقد ذكرت صنعة عريب -: صنعتها مثل قول أبي دلف في خالد بن يزيد حيث يقول:

  /

  يا عين بكَّي خالدا ... ألفا ويدعى واحدا

  يريد أنّ غناءها ألف صوت في معنى واحد، فهي بمنزلة صوت واحد وحكى عنه أيضا هذه الحكاية ابن المعتز.

  وهذا تحامل لا يحلّ⁣(⁣٣)، ولعمري إن في صنعتها لأشياء مرذولة ليّنة، وليس ذلك مما يضعها، ولا عري كبير أحد من المغنّين القدماء والمتأخرين من أن يكون صنعته النادر والمتوسّط سوى قوم معدودين مثل ابن محرز ومعبد في القدماء، ومثل إسحاق وحده في المتأخرين، وقد عيب بمثل هذا ابن سريج في محله، فبلغه أن المغنين يقولون: إنما يغنى ابن سريج الأرمال والخفاف، وغناؤه يصلح للأعراس والولائم، فبلغه ذلك فتغنى بقوله:

  لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها ... مساكن⁣(⁣٤) ما بين الوتائر فالنّقع

  ثم توفّي بعدها، وغناؤه يجري مجرى المعيب⁣(⁣٥) عليه، وهذا إسحاق يقول في أبيه: - على عظيم محلَّه في هذه الصناعة وما كان إسحاق يشيد به من ذكره وتفضيله على ابن جامع وغيره - ولأبي ستّمائة صوت، منها مائتان تشبّه فيها بالقديم، وأتى بها في نهاية من الجودة، ومائتان غناء وسط مثل أغاني سائر الناس، ومائتان فلسية⁣(⁣٦) وددت أنه


(١) ف: «علي بن يحيى» والمثبت من ب، مم.

(٢) ب: «محمد بن القاسم قريض».

(٣) ف، مم: «لا يجمل».

(٤) ف: «منازل»، والوتار: موقع بين مكة والطائف، والبيت لعمر بن أبي ربيعة.

(٥) ف: «ثم توفي بعدها فجرى مجرى المعتب عليه».

(٦) ف، مم: «فلسية» ولعله يقصد أنها تافهة، فينسبها إلى الفلس المقابل للدرهم والدينار.