ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة
  وبين يديها ثلاث قدور من دجاج، فلما رأتني قامت تعانقني وتقبّلني، ثم قالت: أيما أحب إليك أن تأكل من هذه القدور، أو تشتهي شيئا يطبخ لك، فقلت: بل قدر من هذه تكفينا، فغرفت قدرا منها، وجعلتها بيني وبينها، فأكلنا ودعونا(١) بالنبيذ، فجلسنا نشرب حتى سكرنا، ثم قالت: يا أبا الحسن، صنعت البارحة صوتا في شعر لأبي العتاهية، فقلت: وما هو؟ فقالت هو:
  عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه(٢)
  وقالت لي: قد بقي فيه شيء، فلم نزل نردده أنا وهي حتى استوى، ثم جاء الحجّاب / فكسروا باب المراكبيّ واستخرجوني، فدخلت على المأمون، فلما رأيته أقبلت أمشي إليه برقص وتصفيق، وأنا أغنّي الصوت، فسمع وسمع من عنده ما لم يعرفوه واستظرفوه، وسألني المأمون عن خبره، فشرحته له. فقال لي: ادن وردّده، فردّدته عليه سبع مرات. فقال في آخر مرة: يا علَّوية. خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه
  وإنّي لمشتاق إلى قرب صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه(٣)
  الشعر من الطويل وهو لأبي العتاهية، والغناء لعريب، خفيف ثقيل أول بالوسطى، ونسبه عمرو بن بانة في هذه الطريقة والأصبغ إلى علَّوية.
  لماذا غضب الواثق والمعتصم عليها
  : قال ابن المعتز: وحدثني القاسم بن زرزور: قال: حدثتني عريب قالت: كنت في أيام محمد(٤) ابنة أربع عشرة سنة، وأنا حينئذ أصوغ الغناء.
  قال القاسم: وكانت عريب تكايد الواثق فيما يصوغه من الألحان وتصوغ في ذلك الشعر بعينه لحنا أجود من لحنه، فمن ذلك:
  لم آت عامدة ذنبا إليك بلى ... أقرّ بالذنب فاعف اليوم عن زللي
  لحنها فيه حفيف ثقيل، ولحن الواثق رمل، ولحنها أجود من لحنه، ومنها:
  أشكو إلى اللَّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي ولا أشكو إلى أحد
  لحنها ولحن الواثق جميعا من الثقيل الأول، ولحنها أجود من لحنه.
(١) مم: «ودعت».
(٢) ف:
«ولا إن صرت»
بدل:
«ولا إن كنت»
(٣) ف:
«وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو أن كدرت عليه
(٤) تقصد محمدا الأمين.