كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة

صفحة 53 - الجزء 21

  شرطان فاحشان

  : وحدثني الحسن بن علي بن مودّة: قال: حدثني إبراهيم بن أبي العبيس: قال: حدثنا أبي: قال:

  دخلنا على عريب يوما مسلَّمين، فقالت: أقيموا اليوم عندي حتى أطعمكم لوزنيجة صنعتها بدعة بيدها من لوز رطب، وما حضر من الوظيفة، وأغنيكم أنا وهي، قال: فقلت لها على شريطة، قالت: وما هي؟ قلت: شيء أريد أن أسألك عنه منذ سنين، وأنا أهابك؟ قالت: ذاك لك، وأنا أقدم الجواب قبل أن تسأل، فقد علمت ما هو، فعجبت لها، وقلت: فقولي، فقالت: تريد أن تسألني عن شرطي أي شرط هو؟ فقلت: إي واللَّه ذاك الذي أردت.

  قالت: شرطي أير صلب، ونكهة طيبة، فإن انضاف إلى ذلك حسن يوصف، وجمال يحمد فقد زاد قدره عندي، وإلا فهذان ما لا بدّ لي منهما.

  تلقن حبيبها درسا في كيف تكون الهدية

  : وحدّثني الحسن بن علي، عن محمد بن ذي السّيفين إسحاق بن كنداجيق⁣(⁣١). عن أبيه: قال:

  كانت عريب تولع بي وأنا حديث السن، فقالت لي يوما: يا إسحاق قد بلغني أنّ عندك دعوة فابعث إليّ نصيبي منها، قال: فاستأنفت طعاما كثيرا. وبعثت إليها منه شيئا كثيرا؛ فأقبل رسولي من عندها مسرعا. فقال لي:

  لما بلغت إلى بابها، وعرفت خبري أمرت بالطعام فأنهب وقد وجّهت إليك برسول. وهو معي، فتحيّرت وظننت أنها قد استقصرت فعلي، فدخل الخادم ومعه شيء مشدود في منديل ورقعة، فقرأتها، فإذا فيها: ، يا عجميّ يا غبيّ، ظننت أنّي من الأتراك ووخش⁣(⁣٢) الجند، فبعثت إليّ بخبز ولحم وحلواء، اللَّه المستعان عليك، يا فدتك نفسي، قد وجهت إليك زلَّة⁣(⁣٣) من حضرتي، فتعلم ذلك من الأخلاق ونحوه من الأفعال، ولا تستعمل أخلاق العامة، / في ردّ الظرف. فيزداد العيب والعتب عليك إن شاء اللَّه، فكشفت المنديل، فإذا طبق ومكبّه من ذهب منسوج على عمل الخلاف، وفيه زبدية فيها لقمتان من رقاق، وقد عصبت طرفيهما وفيها قطعتان من صدر درّاج مشوي ونقل وطلع⁣(⁣٤) وملح. وانصرف رسولها⁣(⁣٥).

  أيهما أغلى: الخلافة أم الخل الوفي؟

  قال ابن المعتز: حدثني الهشاميّ أبو عبد اللَّه. عن رجل ذكره، عن علَّوية قال:

  أمرين المأمون وسائر المغنين في ليلة من اللَّيالي أن نصير إليه بكرة ليصطبح، فغدونا ولقيني المراكبيّ مولى عريب، وهي يومئذ عنده، فقال لي: يا أيها الرجل الظالم المعتدي، أما ترقّ ولا ترحم ولا تستحي؟ عريب هائمة تحلم بك في النوم ثلاث مرات في كلّ ليلة، قال علَّوية: فقلت: أمّ الخلافة زانية⁣(⁣٦). ومضيت معه، فحين / دخلت قلت: استوثق من الباب، فإني أعرف خلق اللَّه بفضول البوّابين والحجاب، وإذا عريب جالسة على كرسيّ تطبخ،


(١) ب: «كنداجين».

(٢) الوخش: الردئ من كل شيء.

(٣) الزلة: ما يحمل إلى الصديق من مائدة صديقه.

(٤) الطلع: ثمر النخل أول ظهوره. وفي ف: «وطلح» والطلح: الموز.

(٥) تشير هذه القصة والرسالة التي بعثت بها عريب إلى أن هذا الطعام إنما يقدم للطغام، أما ما يقدم لمثلها فشئ فوق ذلك يعتمد على الكيف لا على الكم، وقد شفعت رأيها هذا بالنموذج الذي بعثت به إليه.

(٦) أم الخلافة زانية، يريد بهذه العبارة تنبيه عريب، والاستخفاف بموعد الخليفة كائنة ما تكون النتيجة.