كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأحوص وبعض أخباره

صفحة 68 - الجزء 21

  قال: فلما كان من قابل حجّ أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه الأحوص، واستصحبه، فأصحبه، فلما خرج الأحوص قال له بعض من عنده: ماذا تريد بنفسك؟ تقدم بالأحوص الشام، وبها من ينافسك من بني أبيك، وهو من الأفن والسّفه على ما قد علمت فيعيبونك به. فلما رجع أبو بكر من الحج دخل عليه الأحوص متنجّزا لما وعده من الصحابة⁣(⁣١) فدعا له بمائة ديناء وأثواب وقال: يا خال، إني نظرت فيما سألتني من الصحابة فكرهت⁣(⁣١) أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذنه، فيجبهك فيشمت بك عدوّي من أهل بيتي، ولكن خذ هذه الثياب والدنانير، وأنا مستأذن لك أمير المؤمنين، فإذا أذن لك كتبت إليك، فقدمت عليّ، فقال له الأحوص: لا ولكن قد سبعت⁣(⁣٢) عندك، ولا حاجة لي بعطيّتك، ثم خرج من عنده، فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز، فأرسل إلى الأحوص وهو يومئذ أمير المدينة، فلما دخل عليه أعطاه مائة دينار، وكساه ثيابا فأخذ ذلك، ثم قال له:

  يا أخي هب لي عرض أبي بكر، قال: هو لك، ثم خرج الأحوص، فقال في عروض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز.

  / وقال حماد: قال أبي: سرق أبيات سلميان بأعيانها، فأدخلها في شعره، وغيّر قوافيها فقط، فقال:

  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكَّل

  أصبحت أمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل

  فصددت عنك وما صددت لبغضة ... أخشى مقالة كاشح لا يعقل

  هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفاحش⁣(⁣٣) بعدك المتعلَّل؟

  إني إذا قلت استقام يحطَّه ... حلف كما نظر الخلاف الأقبل⁣(⁣٤)

  لو بالَّذي عالجت لين فؤاده ... فأبى يلان به للان الجندل⁣(⁣٥)

  وتجنّبي بيت الحبيب أودّه ... أرضي البغيض به، حديث معضل

  ولئن صددت لأنت لولا رقبتي ... أهوى من اللائي أزور وأدخل

  إنّ الشّباب وعيشنا اللذّ⁣(⁣٦) الذي ... كنّا به زمنا نسرّ ونجذل

  ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزنا يعلّ به الفؤاد وينهل

  إلَّا تذكَّر ما مضى وصبابة ... منيت لقلب متيّم لا يذهل

  أودى الشباب وأخلقت لذّاته ... وأنا الحزين على الشباب المعول

  / يبكي لما قلب الزمان جديده ... خلقا وليس على الزّمان معوّل⁣(⁣٧)


(١ - ١) التكملة من ف، مم. وجاء مكانها: «فقال له كرهت ... إلخ» في النسخ الأخرى.

(٢) سبع فلان فلانا: شتمه ووقع فيه، يريد: أنك تغيرت علي بسبب الوشاية.

(٣) ف: «تقاعس».

(٤) ب، س، مم:

«بأبي إذا قلت ... الأحول»

القبل: الحول، أو إقبال نظر كل من العينين على الأخرى.

(٥) معنى البيت: لو أنني عالجت الجندل بما عالجت به فؤاده فلم يلن للآن الجندل، فهنا محذوف يفهم من سياق الكلام.

(٦) اللذّ: اللَّذيذ، وفي ف:

«كنا به زمنا نعل وننهل»

وهي رواية مرجوحة لما جاء في البيت التالي.

(٧) قلب: بمعنى صيّر، وخلقا مفعول ثان له.