أخبار الشنفري ونسبه
  فأشلوا(١) عليه كلبا لهم يقال له حبيش ولم يضعوا له شيئا، ومرّ وهو هارب بقرية يقال لها دحيس برجلين من بني سلامان بن مفرج فأرادهما ثم خشي الطلب فقال:
  قتيلى فجار أنتما إن قتلتما ... بجوف دحيس أو تبالة يا اسمعا(٢)
  يريد: يا هذان اسمعا، وقال فيما كان يطالب به بني سلامان:
  فإلَّا تزرني حتفتي أو تلاقني ... أمشّ بدهر أو عذاف فنوّرا(٣)
  / أمشي بأطراف الحماط وتارة ... تنفّض رجلي بسبطا فعصنصرا(٤)
  وأبغى بني صعب بن مرّ بلادهم ... وسوف ألاقيهم إن اللَّه يسّرا(٥)
  ويوما بذات الرّأس أو بطن منجل ... هنالك تلقى القاصي المتغوّرا(٦)
  يقتلونه بعد أن يسملوا عينه
  : قال: ثم قعد له بعد ذلك أسيد بن جابر السلاماني وخازم الفهميّ بالناصف من أبيدة ومع أسيد ابن أخيه، فمر عليهم الشنفري، فأبصر السواد بالليل فرماه، وكان لا يرى سوادا إلا رماه كائنا ما كان، فشك(٧) ذراع ابن أخي أسيد إلى عضده، فلم يتكلم، فقال الشنفري: إن كنت شيئا فقد أصبتك وإن لم تكن شيئا فقد أمنتك، وكان خازم باطحا: يعني منبطحا بالطريق يرصده، فنادى أسيد: يا خازم أصلت، يعني اسلل سيفك. فقال الشنفري: لكلّ أصلت(٨)، فأصلت الشنفري. فقطع إصبعين من أصابع خازم الخنصر والبنصر، وضبطه(٩) خازم حتى لحقه أسيد وابن أخيه نجدة، فأخذ أسيد سلاح الشنفري وقد صرع الشنفري خازما وابن أخي أسيد، فضبطاه وهما تحته، وأخذ أسيد برجل ابن أخيه، فقال أسيد: رجل من هذه؟ فقال الشنفري: رجلي، فقال ابن أخي أسيد: بل هي رجلي يا عم فأسروا الشّنفري، وأدّوه إلى أهلهم، وقالوا له: أنشدنا، / فقال: إنما النشيد على المسرّة، فذهبت مثلا، ثم ضربوا يده فتعرضت، أي اضطربت فقال الشّنفري في ذلك:
  لا تبعدي إما ذهبت شامه ... فربّ واد نفرت حمامه(١٠)
(١) أشلوا عليه كلبا: أغروه به، من أشلى الدابة: أراها المخلاة لتأتيه، وقوله: ولم يضعوا له شيئا، لعله يريد أنهم لم يضعوا للكلب طعاما مبالغة في الإغراء.
(٢) دحيس، وتبالة: مكانان، وخبر أنتما ناقص، فلعله في أبيات تالية.
(٣) حتفتي: موتتي، تلاقني: معطوف على تزرني، أمش: جواب الشرط، من مشى المضعف، ودهر، وعذاف ونور: أماكن، يريد أنه إن مد في أجله فسيزور هذه الأماكن ليغزو بني صعب.
(٤) الحباط: جمع حبطة، وهي بقية الماء في الحوض. وبسبط، وعصنصر: مكانان.
(٥) بلادهم: بدل من بني صعب، أي أطلب بلاد بني صعب ويحتمل أن تكون بلادهم مفعولا ثانيا لأبغى، فهو متعد لاثنين، ومنه قوله تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} والمعنى لا يتغير.
(٦) ذات الرأس ومنجل: مكانان، القاصي: البعيد، المتغور: الموغل في الأرض، أو الموغل في الغارة، ويعني بالقاصي المتغور نفسه.
(٧) في ف: «فشل» بدل «فشك».
(٨) قوله: «لكل أصلت» أي، إنك لا تقول كلمة «أصلت» لصاحبك فقط، بل تقولها لكل منّا، يريد أنك نبهتني إلى الاستعداد.
(٩) ضبطه: سيطر عليه ومنعه الحركة.
(١٠) يريد بالشامة شامة سوداء كانت في يده، كما سيأتي بعد، يخاطب يده، ويحدث عنها قائلا: كم نفرت من حمام الأودية، كناية عن الصيد.