أخبار الشنفري ونسبه
  وربّ قرن فصلت عظامه
  ثم قال له السّلامي: أأطرفك(١)؟ ثم رماه في عينه فقال الشنفري له: كأنّ كنّا نفعل أي كذلك كنّا نفعل، وكان الشنفري إذا رمى رجلا منهم قال له: أأطرفك؟ ثم يرمي عينه. ثم قالوا له حين أرادوا قتله: أين نقبرك؟ فقال:
  لا تقبروني إنّ قبري محرّم ... عليكم ولكن أبشري أمّ عامر(٢)
  إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري(٣)
  هنالك لا أرجو حياة تسرّني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر(٤)
  تأبط شرا يرثيه
  : وقال تأبّط شرّا يرثي الشّنفري:
  على الشّنفري سارى الغمام ورائح ... غزير الكلى، وصيّب الماء باكر(٥)
  / عليك جزاء مثل يومك بالجبا ... وقد أرعفت منك السّيوف البواتر(٥)
  ويومك يوم العيكتين وعطفة ... عطفت وقد مسّ القلوب الحناجر(٦)
  تجول ببزّ الموت فيهم كأنهم ... بشوكتك الحدّى ضئين نوافر(٧)
  فإنك لو لاقيتني بعد ما ترى - ... وهل يلقين من غيّبته المقابر -(٨)
  لألفيتني في غارة أنتمي بها ... إليك وإمّا راجعا أنا ثائر(٩)
  وإن تك مأسورا وظلت مخيّما ... وأبليت حتى ما يكيدك واتر(١٠)
  وحتى رماك الشّيب في الرأس عانسا ... وخيرك مبسوط وزادك حاضر(١١)
(١) طرف عينه: أدخل فيها ما جعلها تدمع.
(٢) البيت من الطويل دخله الخرم، أم عامر: كنية الضبع، يريد ألا يقبروه، بل يتركوه للضبع تأكل لحمه.
(٣ - ٤) سائري: ما بقي مني، سمير الليالي: طول الليالي، مبسلا بالجرائر: مرهونا بآثامي وجرائمي، يقول: إذا قتلت، فقطع رأسي، وغودر جسمي فما حاجتي إلى قبر أحيا فيه حياة أخرى مثقلا بجرائمي إلى الأبد؟ وقوله: وفي الرأس أكثري، يريد به أن الرأس وحده يرجح باقي جسمه لكبره، أو لما يحتويه من الحواس، وفاعل احتملت ضمير أم عامر، أو القبيلة التي قتلته، وقد ضبط هذا الفعل مبنيا للمجهول في بعض الأصول، ويلزم عليه تأنيث الرأس، مع أنه مذكر.
(٤) الكلى: جمع كلوة، وتطلق على أسفل السحاب، يدعو له بأن يسقي قبره ساري الغمام والسحاب الغزير الماء.
(٥) الجبا: مكان كانت فيه - على ما يبدو - موقعة للشنفري، أرعفت منك السيوف البواتر: قطرت دما منك السيوف القواطع، يقول:
عليك جزاء من الغيث بمقدار ما أسالته سيوفك من الدم في هذا اليوم.
(٦) العيكتين: جبلين، ويومك: معطوف على يومك في البيت قبله، وعطفة: معطوف أيضا، بعدد أيامه التي أبلى فيها، وقوله:
«وقد مس القلوب الحناجر»
، يريد به أن الأصوات في الحرب كانت تمس شغاف القلوب من وقع تأثيرها.
(٧) البز - بفتح الباء وكسرها -: السلاح، والحدى: مؤنث الأحد بمعنى المرهف الحد، والضئين: جمع ضائن، وهو ما عدا الماعز من الغنم، يقول: كأن الأعداء ينفرون من سلاحك نفور النعاج والخراف.
(٨ - ٩) جملة:
«وهل يلقين من غيبته المقابر؟»
اعتراض بين الشرط وجوابه، أنتمي: أنتسب، ثائر: آخذ بالثأر، يقول: إنني بعد موتك إما مقدم على غارة، أو راجع من ثأر، كما كنت تفعل في حياتك.
(١٠ - ١١) هذان البيتان متعلقان بما قبلهما، أي أنا أفعل كذا وكذا وإن كنت أنت أسير قبرك، مخيما فيه، بعد أن أبليت في الحروب، حتى لم يكن ينال منك واتر، وحتى رماك الشيب، وأنت عانس - والعانس: الجمل السمين - وكان خيرك فياضا، وزادك مبذولا للضيفان، وقد يكون المراد بقوله: «عانسا» لم تتزوج، فإن هذا الوصف يطلق على الذكر والأنثى على السواء.