نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  مر الفرزدق بماء لبني كليب مجتازا، فأخذوه، وكان جبانا، فقالوا: واللَّه لتلقينّ منا ما تكره، أو لتنكحنّ هذه الأتان، وأتوه بأتان، فقال: ويلكم! اتقوا اللَّه، فإنه شيء ما فعلته قط، فقالوا: إنه لا ينجيك واللَّه إلا الفعل قال: أمّا إذا أبيتم فأتوني بالصخرة التي يقوم عليها(١) عطية، فضحكوا، وقالوا: اذهب لأصحبك اللَّه.
  أسود يستخف به
  : أخبرنا عبد اللَّه بن مالك، عن محمد بن موسى، عن العتبي قال:
  دخل الفرزدق على قوم يشربون عند رجل بالبصرة، وفي صدر مجلسهم فتى أسود، وعلى رأسه إكليل؛ فلم يحفل بالفرزدق، ولم يحف به تهاونا، فغضب الفرزدق من ذلك وقال:
  جلوسك في صدر الفراش مذلَّة ... ورأسك في الإكليل إحدى الكبائر
  وما نطفت كأس ولا لذّ طعمها ... ضربت على حافاتها بالمشافر(٢)
  يرثي وكيعا، فينسى مشيعيه الاستغفار له
  : أخبرني عبد اللَّه بن مالك عن محمد بن موسى، عن العتبي قال:
  لما مات وكيع بن أبي سود أقبل الفرزدق حين أخرج، وعليه قميص أسود، وقد شقه إلى سرته وهو يقول:
  فمات ولم يوتر وما من قبيلة ... من الناس إلا قد أباءت على وتر(٣)
  وإنّ الذي لاقى وكيعا وناله ... تناول صدّيق النبيّ أبا بكر(٤)
  / قال: فعلق الناس الشعر، فجعلوا ينشدونه، حتى دفن، وتركوا الاستغفار له.
  ميميته المأثورة في علي بن الحسين
  : أخبرنا عبد اللَّه بن علي بن الحسن الهاشمي، عن حيان بن علي العنزي، عن مجالد، عن الشعبي قال:
  حج الفرزدق بعد ما كبر، وقد أتت له سبعون سنة، وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام فرأى عليّ بن الحسين في غمار الناس في الطواف، فقال: من هذا الشاب الذي تبرق أسرة وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي وجوهها؟ فقالوا: هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب À، فقال الفرزدق:
  هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
  / هذا ابن خير عباد اللَّه كلَّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
  هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء اللَّه قد ختموا(٥)
  وليس قولك: من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
  إذا رأته قريش قال قائلها: ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
(١) يريد عطية أبا جرير، ومعروف أنه كان يلقب جريرا بابن المراغة.
(٢) نطفت الكأس: قطرت، والمصراع الثاني صفة لكأس مع الفصل بين الصفة والموصوف.
(٣) في ب: «أباءت» وفي نسخة أخرى «أثابت» وكلاهما بمعنى «رجع» المتعدي كأنه يريد رجعت نفسها إلى الأخذ بالثأر.
(٤) ظاهر البيتين يفيد أن وكيعا مات قتيلا، وأنه كان ذا صلة بالخليفة أبي بكر.
(٥) نون «فاطمة» للضرورة.