كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 247 - الجزء 21

  يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فما يكلَّم إلا حين يبتسم

  بكفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم⁣(⁣١)

  يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم⁣(⁣٢)

  اللَّه شرّفه قدما وعظمّه ... جرى بذاك له في لوحه القلم

  / أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّليّة هذا أوله نعم؟⁣(⁣٣)

  من يشكر اللَّه يشكر أوّليّة ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم

  ينمي إلى ذروة الدين التي قصرت ... عنها الأكفّ وعن إدراكها القدم

  من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمّته دانت له الأمم

  مشتقّة من رسول اللَّه نبعته ... طابت مغارسه والخيم والشّيم⁣(⁣٤)

  ينشقّ ثوب الدجى عن نور غرّته ... كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

  من معشر حبّهم دين، وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم

  مقدّم بعد ذكر اللَّه ذكرهم ... في كلّ بدء ومختوم به الكلم

  إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل: هم

  لا يستطيع جواد كنه جودهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

  يستدفع الشّرّ والبلوى بحبّهم ... ويستربّ به الإحسان والنّعم⁣(⁣٥)


(٦) وقد حدثني بهذا الخبر أحمد بن الجعد، قال: حدثنا أحمد بن القاسم البرتيّ، قال: حدثنا إسحاق بن محمد النخعيّ، فذكر أن هشاما حجّ في حياة أبيه، فرأى عليّ بن الحسين رضي اللَّه تعالى عنهم يطوف بالبيت والناس يفرجون له. فقال: من هذا؟ فقال الأبرش الكلبي: ما أعرفه، فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال: من هو؟ فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

وذكر الأبيات ... إلخ (٦).

/ قال: فغضب هشام فحبسه بين مكة والمدينة فقال:

أتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها (٧)

(١) العرنين: الألف.

(٢) عرفان: مفعول لأجله، أي يكاد ركن الحطيم يقبض على راحته عند استلامها إياه، لأن الركن يعرف هذه الكف.

(٣) نعم اسم ليس، أي، ما في الخلائق مخلوق لا يدين بالنعمة له أو لأوليته: جدوده السابقين، وفي نسخة أخرى: أي الخلائق إلا في رقابهم، وعليه تكون «نعم» مبتدأ مؤخرا لقوله: «في رقابهم».

(٤) النبعة: شجرة صلبة الألياف تتخذ منها القسي، وكنى بها عن الأصل والأرومة، والخيم: الأصل والشرف.

(٥) يسترب: يستزاد وينمى.

(٦ - ٦) تكملة من هد، هج.

(٧) كنى بقوله:

«والتي ...

إلخ «عن مكة.