نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  يعود وكان الخبث منه سجية ... وإن قال: إني منته غير عائد
  يهجو بني فقيم
  : / أخبرني عبيد اللَّه، عن محمد بن موسى، عن القحذمي، قال:
  كان سبب هرب الفرزدق من زياد، وهو على العراق، أنه كان هجا بني فقيم، فقال فيهم أبياتا منها:
  وآب الوفد وفد بني فقيم ... بأخبث ما تئوب به الوفود
  أتونا بالقرود معادليها ... فصار الجدّ للجدّ السعيد(١)
  وقال يهجو زيد بن مسعود الفقيمي والأشهب بن رميلة بأبيات، منها قوله:
  تمنّى ابن مسعود لقائي سفاهة ... لقد قال مينا يوم ذاك ومنكرا(٢)
  غناء قليل عن فقيم ونهشل ... مقام هجين ساعة ثم أدبرا(٣)
  يعني الأشهب بن رميلة، وكان الأشهب خطب إلى بني فقيم، فردوه، وقالوا له: اهج الفرزدق حتى نزوّجك، فرجز به الأشهب، فقال:
  /
  يا عجبا هل يركب القين الفرس ... وعرق القين على الخيل نجس؟(٤)
  وإنما سلاحه إذا جلس ... الكلبتان والعلاة والقبس(٥)
  يهرب من زياد
  : فلما بلغ الفرزدق قوله هجاه، فأرفث(٦) له، وألح الفرزدق على النهشليين بالهجاء، فشكوه إلى زياد، وكان يزيد بن مسعود ذا منزلة عند زياد، فطلبه زياد، فهرب، فأتى بكر بن وائل، فأجاروه، فقال الفرزدق يمدحهم بأبيات:
  إني وإن كانت تميم عمارتي ... وكنت إلى القرموس منها القماقم(٧)
  لمثن على أبناء بكر بن وائل ... ثناء يوافي ركبهم في المواسم(٨)
  همو يوم ذي قار أناخوا فجالدوا ... برأس به تدمى رؤوس الصّلادم(٩)
(١) معادليها: حال من الواو، أي أتونا بالقرود وهم مشابهون لها، وفي الأصل:
«قصار المجد للجد السعيد»
ولا معنى له، فضلا عما فيه من الإقواء، وقد اخترنا رواية ف
«فصار الجد للجد السعيد»
على أن الجد الأولى بمعنى الحظ، والجد الثانية - يفتح الجيم أو ضمها - بمعنى الرجل المجدود، والسعيد صفة الجد الأولى، والمعنى: رجعوا هم بالقرود، ورجع المحظوظ بالحظ السعيد.
(٢) في هج: «حينا» بدل «ميتا» وفي غيرها «ميتا» وهو تصحيف.
(٣) الهجين: غير صريح النسب، وفي البيت عطف الفعل على الاسم، والمعنى: أقام ساعة ثم أدبرا.
(٤) القين: الحداد.
(٥) الكلبتان: آلة من آلات الحداد، والعلاة: السندان، والقيس: ما يستعمله الحداد من النيران في إلانة الحديد.
(٦) أرفث: أفحش.
(٧) البيت من الطويل دخله الخرم، العمارة: الحي دون القبيلة، القرموس، السيد الرئيس، القماقم: الجواد ذو الفضل الغزير.
(٨) لمثن: خبر «إني» في البيت السابق.
(٩) يوم ذي قار: يوم مشهور، كان للعرب على الفرس، ولعل يعني بالرأس هانئ بن مسعود بطل ذلك اليوم، الصلادم: جمع صلدم بمعنى الأسد أو الحجر الصلب، والمعنى يستقيم على كلا المعنيين.