كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 251 - الجزء 21

  وهرب، حتى أتى سعيد بن العاص، فأقام بالمدينة يشرب، ويدخل إلى القيان، وقال:

  إذا شئت غنّاني من العاج قاصف ... على معصم ريّان لم يتخدّد⁣(⁣١)

  لبيضاء من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مجحد

  وقامت تخشّيني زيادا وأجفلت ... حواليّ في برد يمان ومجسد

  فقلت: دعيني من زياد فإنني ... أرى الموت وقّافا على كلّ مرصد

  مروان ينفيه ثم يجيزه

  : قبلغ شعره مروان، فدعاه، وتوعده، وأجّله ثلاثا، وقال: اخرج عني، فأنشأ يقول الفرزدق:

  دعانا ثم أجلنا ثلاثا ... كما وعدت لمهلكها ثمود⁣(⁣٢)

  قال مروان⁣(⁣٣): قولوا له عني: إني أجبته، فقلت:

  قل للفرزدق والسّفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس⁣(⁣٤)

  ودع المدينة إنها محظورة ... والحق بمكة أو ببيت المقدس

  قال: وعزم على الشخوص إلى مكة، فكتب له مروان إلى بعض عماله، ما بين مكة والمدينة بمائتي دينار، فارتاب بكتاب مروان، فجاء به إليه وقال:

  مروان إنّ مطيتي معقولة ... ترجو الحباء وربّها لم ييأس

  آتيتني بصحيفة مختومة ... يخشى عليّ بها حباء النّقرس⁣(⁣٥)

  / ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكراء مثل صحيفة المتلمّس⁣(⁣٦)

  قال: ورمى بها إلى مروان، فضحك، وقال: ويحك! إنك أميّ، لا تقرأ، فاذهب بها إلى من يقرؤها، ثم ردّها، حتى أختمها، فذهب بها، فلما قرئت إذا فيها جائزة، قال: فردّها إلى مروان، فختمها، وأمر له الحسين بن عليّ @ بمائتي دينار، قال: ولما بلغ جريرا أنه أخرج عن المدينة قال:

  /

  إذا حلّ المدينة فارجموه ... ولا تدنوه من جدث الرسول⁣(⁣٧)

  فما يحمى عليه شراب حدّ ... ولا ورهاء غائبة الحليل⁣(⁣٨)

  فأجابه الفرزدق، فقال:


(١) تقدمت هذه الأبيات في الترجمة نفسها. فارجع إليها.

(٢) في هج

«دعاني ثم أجلني»

(٣) ليس فيما قاله الفرزدق ما يستدعي عدول مروان عن عقوبته، فلعل هنا خرما، أو لعل بعد البيت السابق أبيات استعطاف لم تذكر.

(٤) الشعر لمروان: ولم نستطع التوفيق بين قوله: «اجلس» في البيت الأول وقوله:

«ودع المدينة»

في البيت الثاني، ربما كانت «اجلس» تصحيف «احلس» - بالحاء - بمعنى ضع الحلس على دابتك وارحل، والحلس: القتب أو السرج ونحوهما.

(٥) النقرس: الهلاك، أو الداهية، أو وجع في مفاصل الكعبين.

(٦) صحيفة المتلمس: صحيفة حملها تتضمن هلاكه، وقصتها مشهورة، والمتلمس الشاعر المعروف.

(٧) في هج

«إذا حل الفرزدق»

(٨) في هد «يخفى» بدل «يحمى» والورهاء: الحمقاء، والمراد أنه مدمن زير نساء.