نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  فخلع عليه الجبة والعمامة والمطرف، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج رجل كان حضر عبد اللَّه والفرزدق عنده، ورأى ما أعطاه آياه، وسمع ما أمره عمر به من ألا يعرض لأحد، فدخل إلى عمر بن عبد العزيز؛ فأخبره، فبعث إليه عمر: ألم أتقدم إليك يا فرزدق ألا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء؟ أخرج، فقد أجلتك ثلاثا، فإن وجدتك بعد ثلاث نكَّلت بك؛ / فخرج وهو يقول:
  فأجّلني وواعدني ثلاثا ... كاوعدت لمهلكها ثمود(١)
  قال: وقال جرير فيه:
  نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... ومثلك ينفى من المسجد
  وشبهت نفسك أشقى ثمود ... فقالوا: ضللت ولم تهتد(٢)
  يهجو من يستكثر عليه الجائزة
  : أخبرني(٣) حبيب المهلَّبي، عن ابن أبي سعد، عن صباح، عن النوفليّ بن خاقان، عن يونس النحويّ قال:
  / مدح الفرزدق عمر بن مسلم الباهلي، فأمر له بثلاثمائة درهم، وكان عمرو بن عفراء الضّبيّ صديقا لعمر، فلامه، وقال: أتعطي الفرزدق ثلاثمائة درهم، وإنّما كان يكفيه عشرون درهما، فبلغه ذلك فقال:
  نهيت ابن عفرى أن يعفّر أمّه ... كعفر السّلا إذا جرّرته ثعالبه
  وإنّ امرأ يغتابنى لم أطأ له ... حريما فلا ينهاه عنّي أقاربه
  كمحتطب يوما أساود هضبة ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه
  ألمّا استوى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من أحاربه؟
  فلو كان ضبّيّا صفحت ولو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه
  ولكن ديافيّ أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السّليط قرائبه
  صوت
  ومقالها بالنّعف نعف محسّر ... لفتاتها: هل تعرفين المعرضا؟(٤)
  ذاك الذي أعطى مواثق عهده ... ألا يخون وخلت أن لن ينقضا
  فلئن ظفرت بمثلها من مثله ... يوما ليعترفنّ ما قد أقرضا(٥)
  الشعر لخالد القسريّ، والناس ينسبونه إلى عمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض، ثقيل أول بالوسطى، عن
(١) مر هذا البيت في غير هذا الموضع.
(٢) سبق هذان البيتان أيضا في غير هذا الموضع.
(٣) مرت هذه القصة أيضا وسبق معالجة الأبيات الواردة فيها.
(٤) مقالها: معطوف على كلام سابق، أو مبتدأ محذوف الخبر، تقديره: وعجيب مقالها ونحو ذلك، والنعف: مكان مرتفع يكون فيه صعود وهبوط، محسر: مكان.
(٥) أقرض: أسلف، وفي البيت توعد، أي ليعرفن نتيجة إعراضه ونقضه لعهوده.