كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 263 - الجزء 21

  الفرزدق: اللَّه⁣(⁣١) اللَّه أيها الأمير فيّ، أنا في جوارك وذمتك؛ فمنع عنه ابن أبي علقمة، فلما خرج قال: قاتل اللَّه مجنونهم؛ واللَّه لو مسّ ثوبه ثوبي لقام بها جرير وقعد؛ وفضحني في العرب فلم يبق لي فيهم باقية.

  وأخبرني بنحو هذا الخبر حبيب المهلبيّ، عن ابن شبة، عن محمد بن يحيى، عن عبد الحميد، عن أبيه، عن جده: قال أبو زيد: وأخبرني أبو عاصم عن الحسن بن دينار، قال: قال لي الفرزدق:

  / ما مر بي يوم قط أشدّ عليّ من يوم دخلت فيه على أبي عيينة بن المهلب - وكان يوما شديد الحر - فما منّا أحد إلا جلس في أبزن⁣(⁣٢). فقلنا له: إن أردت أن تنفعنا فابعث إلى ابن أبي علقمة، فقال: لا تريدوه؛ فإنه يكدّر علينا مجلسنا، فقلنا: لا بد منه، فأرسل إليه، فلما دخل فرآني؛ قال الفرزدق واللَّه. ووثب إليّ، وقد أنعظ أيره، وجعل يصيح: واللَّه لأنيكنّه؛ فقلت لأبي عيينة: اللَّه اللَّه فيّ، أنا في جوارك، فو اللَّه لئن دنا إليّ لا تبقى له باقية مع جرير؛ فلم يتكلم أبو عيينة؛ ولم تكن لي همة إلا أن عدوت حتى صعدت إلى السطح، فاقتحمت الحائط، فقيل له:

  ولا يوم زياد⁣(⁣٣) كان مثل يومئذ، فقال: ولا مثل يوم زياد⁣(⁣٣).

  عمر بن عبد العزيز يجيره، ثم ينفيه

  : أخبرني عمي، عن ابن أبي سعد، عن أحمد بن عمر، عن إسحاق بن مروان مولى جهينة وكان يقال له: كوزا الرواية؛ قال أحمد بن عمر: وأخبرني عثمان بن خالد العثماني⁣(⁣٤):

  أن الفرزدق قدم المدينة في سنة مجدبة حصّاء⁣(⁣٥) فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، فقالوا له: أيها الأمير، إن الفرزدق قدم مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة التي أهلكت عامة الأموال التي لأهل المدينة، وليس عند أحد منهم ما يعطيه شاعرا، فلو أن الأمير بعث إليه، فأرضاه، وتقدم إليه⁣(⁣٦) ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء؛ فبعث إليه عمر: إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة، وليس عند أحد ما يعطيه شاعرا، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم؛ فخذها، ولا تعرض لأحد / بمدح ولا هجاء، فأخذها الفرزدق، ومرّ بعبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، وهو جالس في سقيفة داره، وعليه مطرف⁣(⁣٧) خزّ أحمر وجبّة خزّ أحمر، فوقف عليه، وقال:

  أعبد اللَّه أنت أحقّ ماش ... وساع بالجماهير الكبار

  نما الفاروق أمّك وابن أروى ... أبوك فأنت منصدع النّهار⁣(⁣٨)

  هما قمرا السماء وأنت نجم ... به في الليل يدلج كلّ سار


(١) اللَّه: مفعول فعل محذوف تقديره «ارع» أو «اتق» ونحو ذلك.

(٢) الأبزن: حوض يشبه «البانيو» عندنا، كان يتخذ من المعدن ونحوه للاستحمام، وهو لفظ معرب.

(٣ - ٣) التكملة من هد، هج، وقد تقدم أن زيادا طرده، وأنه هجا مسكينا الدارمي لرثائه آياه في الأبيات التي يقول فيها:

«به لا بظبي في الصريمة أعفرا»

(٤) في هد، هج: «عمر بن خالد العماني».

(٥) الحصاء: السنة الجرداء لا خير فيها.

(٦) تقدم إليه: أمره، أو طلب منه.

(٧) المطرف - بكسر الميم وضمها مع سكون الطاء وفتح الراء - رداء من خز مربع ذو أعلام.

(٨) يريد أنه ينسب إلى الخليفتين عمر وعثمان، منصدع: مصدر ميمي، أو اسم مكان من الصدع، بمعنى انشق وتبلج، وأروى: أم عثمان بن عفان.