كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار صخر بن الجعد ونسبه

صفحة 292 - الجزء 22

  فغضب. وعمد إلى رجل من الحيّ ليس يعدل بصخر، يقال له حصن، وهو مغضب لما صنع، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وزوّجه كأس، وافترق القوم، ومروا بصخر، فأعلموه تزويج كأس بحصن، فرحل عنهم من تحت الليل، واندفع يهجوها بالأبيات التي قذفها فيها فيما قذفها، وذلك قوله حين يقول:

  وأنكحها حصنا ليطمس حملها ... وقد حملت من قبل حصن وجرّت

  أي زادت على تسعة أشهر، قال: وترافع القوم إلى المدينة، وأميرها يومئذ طارق مولى عثمان، قال: فتنازعوا إليه.

  ومعهم يومئذ رجل يقال له حزم، وكان من أشد الناس على صخر شرّا. قال: وفيه يقول صخر:

  /

  كفى حزنا لو يعلم النّاس أنّني ... أدافع كأسا عند أبواب طارق⁣(⁣١)

  أتنسين أياما لنا بسويقة ... وأيامنا بالجزع جزع الخلائق

  ليالي لا نخشى انصداعا من الهوى ... وأيام حزم عندنا غير لائق⁣(⁣٢)

  / إذا قلت لا تفشي حديثي تعجرفت ... زيادا لودّ ها هنا غير صادق⁣(⁣٣)

  قال: فأقاموا عليه البيّنة بقذف كأس، فضرب الحدّ، وعاد إلى قومه، وأسف على ما فاته من تزويج كأس، فطفق يقول فيها الشعر.

  مطولته في كأس

  قال الزبير: فأنشدني عمّي وغيره لصخر قوله:

  لقد عاود النفس الشقيّة عيدها ... نعم إنّه قد عاد نحسا سعودها⁣(⁣٤)

  وعاوده من حبّ كأس ضمانة ... على النأي كانت هيضة تستقيدها⁣(⁣٥)

  وأنى ترجّيها وأصبح وصلها ... ضعيفا وأمست همّه لا يكيدها⁣(⁣٦)

  وقد مرّ عصر وهي لا تستزيدني ... لما استودعت عندي ولا أستزيدها

  فما زلت حتى زلَّت النعل زلَّة ... برجلك في زوراء وعث صعودها⁣(⁣٧)

  ألا قل لكأس إن عرضت لبيتها ... فأين بكا عيني وأين قصيدها؟


(١) يريد بالمدافعة المقاضاة، وتنوين «كأسا» ليس ضرورة، فهو مؤنث ثلاثي ساكن الوسط يجوز تنوينه ومنعه من الصرف.

(٢) يريد حزما عدوه الذي تقدمت الإشارة اليه، و «حزم» مرفوع على الابتداء، وأيام مضافة إلى الجملة بعدها.

(٣) تعجرفت: تكبرت، زيادا: مفعول لأجله، أي تكبرت لتزيد ودا بيننا غير صادق، وفي هد، هج: «ديارا» بدل «زيادا» ولا معنى له.

(٤) العيد هنا: ما يعتاد الإنسان.

(٥) الضمانة: العلة، الهيضة: المرض بعض المرض، فاعل «تستقيدها» ضمير كأس، يريد أن كأسا تأخذ القود منه، وتثأر لنفسها بما أصابته به من علة بعد علة.

(٦) أمست همه لا يكيدها، أي أمست كأس وليس من همه أن يضمر لها كيدا.

(٧) زوراء: أرض بعيدة، وعث صعودها: من وعث الطريق وعثا: تعسر سلوكه، يريد أنه كان مع كأس على وفاق، حتى زلت به النعل زلة لا إقالة منها.