كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار صخر بن الجعد ونسبه

صفحة 297 - الجزء 22

  وما أريت لهم إلا لأدفعهم ... عني ويخرجني نقضي وإمراري⁣(⁣١)

  حتى استغاثوا بأروى بئر مطَّلب ... وقد تحرّق منهم كلّ تمّار⁣(⁣٢)

  وقال أوّلهم نصحا لآخرهم: ... ألا ارجعوا واتركوا الأعراب في النار

  جاريته تخدعه

  أخبرني عبد اللَّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال:

  كان الجعد المحاربيّ أبو صخر بن الجعد قد عمّر حتى خرف، وكان يكنى أبا الصّموت؛ وكانت له وليدة⁣(⁣٣) يقال لها سمحاء، فقالت له يوما: يا أبا الصّموت، زعم بنوك أنك إن متّ قتلوني، قال: ولم؟ قالت: مالي إليهم ذنب غير حبّي لك، فأعتقها على أن تكون معه، فمكثت يسيرا، ثم قالت له: يا أبا الصّموت، هذا عرابة من أهل المعدن يخطبني، قال: أين هذا مما قلت لي؟ قالت: إنّه ذو مال، وإنما أردت ماله لك، / قال: فأتني⁣(⁣٤) به، فأتته فزوّجه إياها، فولدت له أولادا، وقوّته بما كانت تصيبه من الجعد، وكانت / تأتي الجعد في أيّام، فتخضب رأسه، ثم قطعته، فأنشأ الجعد يقول:

  أمسى عرابة ذا مال وذا ولد ... من مال جعد وجعد غير محمود

  تظل تنشقه الكافور متكئا ... على السرير وتعطيني على العود

  من قوله لامرأته

  قال والجعد هو القائل لامرأته:

  تعالجني أمّ الصّموت كأنما ... تداوي حصانا أوهن العظم كاسره⁣(⁣٥)

  فلا تعجبي أمّ الصّموت فإنّه ... لكل جواد معثر هو عاثره

  وقد كنت أصطاد الظباء موطَّئا ... وأضرب رأس القرن والرمح شاجره⁣(⁣٦)

  فأصبحت مثل العشّ طارت فراخه ... وغودر في رأس الهشيمة سائره⁣(⁣٧)

  أولاده يرثونه حيّا

  فلما كبر حمله بنوه، فأتوا به مكة، وقالوا له: تعبّد ها هنا، ثم اقتسموا المال، وتركوا له منه ما يصلحه، فقال:


(١) ضمير «لهم» يعود على الناس، الإمرار: فتل الحبل ونحوه، النقض: ضد الفتل، ويريد بالنقض والإمرار: المراوغة والخداع، يريد أنني كنت أظهر نفسي للناس، ثم أغير الطرق، لأضلل المقتفين أثرى، وفي هد:

«وما أريتهمو»

بدل

«وما أريت لهم»

(٢) الأروى: إناث الوعول، وبئر مطلب: المكان الذي نزل فيه سيار ورفقته، والكلام مسوق مساق التهكم، أي أنهم نزلوا بئر مطلب، وأكلوا فيه التمر، وجعلوا يسألون الوعول عنه، وقد تحرق من الغيظ كل آكل تمر منهم.

(٣) وليدة: جارية.

(٤) «فأتتني» كذا بالأصل، والقياس «فأتيني» بإثبات ياء المؤنثة.

(٥) الهاء من كاسره تعود على الحصان لا على العظم.

(٦) موطئا: منحدرا، شاجره: داخل فيه مشتبك به.

(٧) الهشيمة: الشجرة البالية، سائرة: باقية.