كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مالك ونسبه

صفحة 323 - الجزء 22

  وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب

  يراها فلا يستطيع مخاطبتها

  وقال أبو عمرو خاصة: حدثنا فتيان من بني جعدة أنها أقبلت ذات يوم، وهو جالس في مجلس فيه أخوها، فلما رآها عرفها، ولم يقدر على الكلام بسبب أخيها، فأغمي عليه، وفطن أخوها لما به، فتغافل عنه، وأسنده بعض فتيان العشيرة إلى صدره، فما تحرك، ولا أحار جوابا ساعة من نهاره، وانصرف أخوها كالخجل، فلما أفاق قال:

  ألمّت فما حيّت وعاجت فأسرعت ... إلى جرعة بين المخارم فالنّجر⁣(⁣١)

  خليليّ قد حانت وفاتي فاحفرا ... برابية بين المخافر والبتر⁣(⁣٢)

  لكيما تقول العبدليّة كلما ... رأت جدثي: سقّيت يا قبر من قبر⁣(⁣٣)

  جنوب ترعى عهده

  وقال المدائني في خبره: انتجع أهل بيت جنوب ناحية حسى والحمى، وقد أصابها الغيث، فأمرعت، فلما أرادوا الرحيل وقف لهم مالك بن الصّمصامة، حتى إذا بلغته جنوب أخذ بخطام بعيرها، ثم أنشأ يقول:

  /

  أريتك إن أزمعتم اليوم نيّة ... وغالك مصطاف الحمى ومرابعه⁣(⁣٤)

  أترعين ما استودعت أم أنت كالذي ... إذا ما نأى هانت عليه ودائعه

  فبكت، وقالت: بل أرعى واللَّه ما استودعت، ولا أكون كمن هانت عليه ودائعه، فأرسل بعيرها، وبكى، حتى سقط مغشيّا عليه، وهي واقفة، ثم أفاق، وقام، فانصرف وهو يقول:

  /

  ألا إنّ حسيا دونه قلَّة الحمى ... منى النفس لو كانت تنال شرائعه⁣(⁣٥)

  وكيف ومن دون الورود عوائق ... وأصبغ حامي ما أحبّ ومانعه⁣(⁣٦)

  فلا أنا فيما صدّني عنه طامع ... ولا أرتجي وصل الذي هو قاطعه

  صوت

  يا دار هند عفاها كلّ هطَّال ... بالخبت مثل سحيق اليمنة البالي⁣(⁣٧)


(١) عاجت: رجعت، الجرعة: الأرض ذات الحزونة، المخارم والنحر: مكانان.

(٢) في هد، هج:

«إن حانت»

بدل

«قد حانت»

، وفي هج:

«بين المحاضر والبئر»

بدل

«لي بالمخافر والبتر»

وفي هد:

«برابية لي بالمحاضر والبئر»

وكلها أسماء أماكن.

(٣) العبدلية يعني بها حبيبته، وفي هد: «حييت» بدل «سقيت».

(٤) نية: رحلة وبعدا، غالك: أخفاك عني.

(٥) قلة كل شيء: أعلاه، يريد أن علية الحمى حلوا بحسى، منى النفس: بدل من «قلة الحمى»، شرائع: جمع شريعة، وهي مورد الماء كالغدير ونحوه.

(٦) يريد الأصبغ أخا جنوب.

(٧) عفاها: محاها، وغير معالمها، الخبت: مكان، اليمنة: برد مخصوص يرد من اليمن.