كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه

صفحة 334 - الجزء 22

  من كلامهما شيئا، ثم جعل الكلب الداخل عليه يخبره عن طريقه بطول سفره، وقال له: هل عندك شيء تطعمنيه؟

  قال: نعم، قد بقي لهم في موضع كذا وكذا طعام، وليس عليه شيء⁣(⁣١)، فذهبا إليه، فكأني أسمع ولوغهما في الإناء حتى أكلا ما كان هناك فيه، ثم سأله نبيذا، فقال: نعم، لهم نبيذ في إناء آخر ليس له غطاء، فذهبا إليه فشربا.

  الكلاب تتغنى بشعره

  : ثم قال له: هل تطربني بشيء؟ قال: إي وعيشك، صوت كان أبو يزيد يغنيه، فيجيده، ثم غناه في شعر عبيد بن الأبرص.

  صوت

  طاف الخيال علينا ليلة الوادي ... لآل أسماء لم يلمم لميعاد

  أنّى اهتديت لركب طال سيرهم ... في سبسب بين دكداك وأعقاد⁣(⁣٢)

  قال: فلم يزل يغنيه هذا الصوت، ويشربان مليّا، حتى فني ذلك النبيذ، ثم خرج الكلب الداخل، فخفت واللَّه على نفسي أن أذكر ذلك لصاحب المنزل، فأمسكت، وما أذكر أني سمعت أحسن من ذلك الغناء.

  ومما يغنى فيه من شعره قوله:

  صوت

  لمن جمال قبيل الصّبح مزمومه ... ميمّمات بلادا غير معلومه

  فيهنّ هند وقد هام الفؤاد بها ... بيضاء آنسة بالحسن موسومه

  / الغناء لابن سريج رمل عن يونس والهشاميّ وحبش.

  ومنها⁣(⁣٣) قوله:

  صوت

  درّ درّ الشباب والشعر الأس ... ود والضّامرات تحت الرّحال

  فالخناذيذ كالقداح من الشّو ... حط يحملن شكَّة الأبطال⁣(⁣٤)

  ليس رسم على الدّفين ببال ... فلوي ذروة فجنبني أثال⁣(⁣٥)


(١) يريد أن هذا الطعام ليس في حرز.

(٢) تقدم هذان البيتان، نقول: ويبدو أن عبيد بن الأبرص كان رجل الخوارق، فقد رأينا فمه يحشى بالشعر، فيلهم الشعر وهو نائم، ورأينا الأفاعي تنشده الأشعار ثم ها هو ذا تتغنى بشعره الكلاب.

(٣) ومنها: من الأغاني التي غنى بها من شعره، وليس المراد أن ما يأتي تتمة الأبيات السابقة.

(٤) الخناذيذ: جمع خنذيذ: الشجاع البهمة من الفرسان، الشوخط: شجر صلب الألياف تتخذ منه القسي والقداح، أو هو ضرب من النبع، الشكة: ما يلبس أو يحمل من السلاح.

(٥) أثال: اسم جبل، والبيت لا يخلو من التواء، والذي نراه أنه يريد أن يقول: إن منازل الأحياء تبلى، ولكن رسوم الموتى باقية، فلدى ذروة من الذرا، أو في جانب جبل أثال يكون دفني ودفن سواي، وهذه الأماكن لا يعفى عليها الزمن.