أخبار عبيدة الطنبورية
  بكل جنس من الرجال إلا السودان، فإن نفسي تبشعهم(١)، وهذا بين الأسود والأبيض، وبينه فارغ لما أريد، وهو صفعاني(٢) إذا أردت ووكيلي إذا أردت. قال: وكان لها غلام يضرب عليها يقال له عليّ ويلقب ظئر عبيدة، فكانت إذا خلت في البيت وشبقت اعتمدت عليه، وقالت: هو بمنزلة بغل الطحّان يصلح للحمل والطَّحن والركوب.
  وكان عمرو بن بانة إذا حصل عنده إخوان له يدعوها لهم تغنّيهم مع جواريه، وإنما / عرفها من داري، لأنه بعث يدعوني، فدخل غلامه، فرآها عندي، فوصفها له فكتب إليّ يسألني أن أجيئه بها معي. ففعلت، وكان عنده محمد بن عمرو بن مسعدة والحارث بن جمعة والحسن بن سليمان البرقي(٣) وهارون بن أحمد بن هشام، فعدلوا كلَّهم إلى استماع غنائها والاقتراح له والإقبال عليه، ومال إليها جواريه، وما خرجت إلا وقد عقدت بين الجماعة مودة، وكان جواري عمرو بن بانة يشتقن إليها، فيسألنه أن يدعوها، فيقول لهنّ: ابعثن إلى عليّ حتى يبعث بها إليكنّ، فإنه يميل إليها، وهو صديقي وأخشى أن يظن أني قد أفسدتها عليه - ولم يكن به هذا إنما كان به الدّيناران اللذان يريد أن يحدرها بهما - وكان عمرو من أبخل الناس، وكان صوت إسحاق بن إبراهيم عليها:
  يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا
  وكانت صوت علَّوية ومخارق عليها:
  قريب غير مقترب
  وهذان الصوتان جميعا من صنعتها.
  إسحاق يحبها حية ويرثيها ميتة
  وكان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يشتهي أن يسمعها، ويمنع نفسه ذلك لتيهه ولبر مكته وتوفّيه أن يبلغ المعتصم عنه شيء يعيبه، وماتت عبيدة من نزف أصابها، فأفرط حتى أتلفها.
  وفي عبيدة يقول بعض الشعراء، ومن الناس من ينسبه إلى إسحاق(٤):
  أمست عبيدة في الإحسان واحدة ... فاللَّه جار لها من كل محذور
  من أحسن الناس وجها حين تبصرها ... وأحذق الناس إن غنّت بطنبور
  أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك الخزاعي قال: سمعت إسحاق يقول: الطنبور إذا تجاوز عبيدة هذيان.
  صوت
  سقمت حتى ملَّني العائد ... وذبت حتى شمت الحاسد(٥)
(١) كذا في ف وفي س، ب: «تبشعتهم».
(٢) صفعاني: يصفع.
(٣) ف: «البرتي».
(٤) في هج: «إسحاق إبراهيم الموصلي».
(٥) هج: «حتى شفني الحاسد».