كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيدة الطنبورية

صفحة 413 - الجزء 22

  وهب لي جعفر بن المأمون طنبورها فإذا عليه مكتوب بأبنوس:

  كل شيء سوى الخيا ... نة في الحبّ يحتمل

  تاريخ غير مشرف

  وحدثني جحظة وجعفر بن قدامة، وخبر جعفر أتم، إلا أني قرأته على جحظة، فعرفه، وذكر لي أنه سمعه، قالا جميعا: حدثنا أحمد بن الطيب السرخسيّ قال:

  كان عليّ بن أحمد بن بسطام المروزيّ - وهو ابن بنت شبيب بن واج، وشبيب أحد النفر الذي سترهم المنصور خلف قبّته يوم قتل أبا مسلم؛ وقال لهم: إذا صفّقت فأخرجوا فاضربوه بسيوفكم. ففعل وفعلوا - فكان عليّ بن أحمد هذا يتعشق عبيدة الطنبورية وهو شاب وأنفق عليها مالا جليلا، فكتبت إليه أسأله عن خبرها ومن هي؟

  ومن أين خرجت؟ فكتب إليّ: كانت عبيدة بنت رجل يقال له صباح مولى أبي السمراء الغسّانيّ، نديم عبد اللَّه بن طاهر - وأبو السمراء أحد العدّة الذين وصلهم عبد اللَّه بن طاهر في يوم واحد لكل رجل منهم مائة ألف دينار - وكان الزّبيديّ الطَّنبوريّ أخو نظم⁣(⁣١) العمياء، يختلف إلى أبي السمراء، وكان صباح صاحب أبي السمراء، فكان الزبيدي إذا سار إلى أبي السمراء فلم يصادفه أقام عند صباح والد عبيدة وبات، وشرب، وغنى وأنس، وكان لعبيدة صوت حسن وطبع جيّد، فسمعت غناء الزّبيدي، فوقع في قلبها واشتهته، وسمع الزّبيدي صوتها، وعرف طبعها فعلَّمها، وواظب عليها، ومات أبوها، ورقّت حالها، وقد حذفت الغناء على الطَّنبور، فخرجت تغنّي، وتقنع باليسير، وكانت مليحة مقبولة خفيفة الروح، فلم يزل أمرها يزيد، حتى تقدّمت وكبر حظها، واشتهاها الناس. وحلَّت تكَّتها، وسمحت، ورغب فيها الفتيان، فكان أول من تعشقّها علي بن الفرج الرّخجيّ⁣(⁣٢) / أخو عمر، وكان حسن الوجه كثير المال، فكنت أراها عنده، وكنّا نتعاشر على الفروسيّة، ثم ولدت من عليّ بن الفرج بنتا، فحجبها لأجل ذلك، فكانت تحتال في الأوقات بعلة الحمّام وغيره، فتلمّ بمن كانت تودّه ويودّها، فكنت ممن تلمّ به، وأنا حينئذ شاب قد ورثت عن أبي مالا عظيما وضياعا جليلة، ثم ماتت بنتها من عليّ بن الفرج، وصادف ذلك نكبتهم واختلال⁣(⁣٣) حال عليّ بن الفرج، فطلَّقها فخرجت، فكانت تخرج بدينارين للنهار ودينارين لليل، واعترت⁣(⁣٤) بأبي السمراء، ونزلت في بعض دوره.

  وتزوجت أمها بوكيل له، فتعشّقت غلاما من آل حمزة بن مالك يقال له شرائح وهو صاحب ساباط شرائح ببغداد، وكان يغنّي بالمعزفة غناء مليحا، وكان حسن / الوجه، لا عيب في جماله إلا أنه كان متغيّر النّكهة، وكانت شديدة الغلمة لا تحرم أحدا ولا تكرهه، من حدّ الكهول إلى الطفل، حتى تعلَّقت شابّا يعرف بأبي كرب بن أبي الخطاب، مشرط⁣(⁣٥) الوجه أفطس قبيحا شديد الأدمة، فقيل لها: أيّ شيء رأيت في أبي كرب؟ فقالت: قد تمتعت


(١) ف: «قطر».

(٢) كذا في ف وهج وفي س، ب: «الزحجي».

(٣) في س، ب: «اختلاط».

(٤) اعترت بفلان: اعترضت للمعروف.

(٥) كذا في م وفي أ، ف: «مترك» لعلها تحريف مشرط، فإن العبيد الزنوج يشرطون وجوههم.