أخبار أحمد بن صدقة
  ومن قلبه قلق خافق ... عليك وأحشاؤه ترجف؟
  فلما جلس المأمون للشرب دعاني، وقد كان غضب على حظيّة له، فحضرت مع المغنّين، فلما طابت نفسه وجّهت إليه بتفاحة من عنبر، عليها مكتوب بالذهب: يا سيدي، سلوت. وعلم اللَّه أني ما عرفت شيئا من الخبر.
  يتغنى ينكره المأمون
  وانتهى الدور إليّ، فغنّيت البيتين، فاحمرّ وجه المأمون، وانقلبت عيناه وقال لي: يا بن الفاعلة، ألك عليّ وعلى حرمي صاحب خبر! فوثبت، وقلت: يا سيدي ما السبب؟. فقال لي: من أين عرفت قصتي مع جاريتي؟
  فغنيت في معنى ما بيننا، فحلفت له أني لا أعرف شيئا من ذلك، وحدّثته حديثي مع خالد، فلما انتهيت إلى قوله، «أنت أنزل من ذلك» ضحك، وقال: صدق، وإن هذا الاتّفاق ظريف، ثم أمر لي بخمسة آلاف درهم ولخالد بمثلها.
  دخوله على المأمون في يوم السعانين
  أخبرني محمد قال: حدثنا حماد قال: حدثني أحمد بن صدقة قال:
  دخلت على المأمون في يوم السعانين(١)، وبين يديه عشرون وصيفة، جلبا(٢) روميات مزنّرات(٣)، قد تزيّن بالديباج الرومي، وعلَّقن في أعناقهنّ صلبان الذهب، / وفي أيديهنّ الخوص والزيتون، فقال لي المأمون: ويلك يا أحمد! قد قلت في هؤلاء أبياتا فغنّني فيها.
  ثم أنشدني قوله(٤):
  ظباء كالدنانير ... ملاح في المقاصير
  جلاهنّ السعانين ... علينا في الزنانير
  وقد زرّفن أصداغا ... كأذناب الزرارير
  / وأقبلن بأوساط ... كأوساط الزنابير
  فحفظتها، وغنّيته فيها، فلم يزل يشرب، وترقص الوصائف بين يديه أنواع الرقص من الدستبند(٥)، إلى الإبلا(٦) حتى سكر، فأمر لي بألف دينار، وأمر بأن ينثر على الجواري ثلاثة آلاف دينار، فقبضت الألف، ونثرت الثلاثة الآلاف عليهنّ، فانتهبتها معهنّ.
  يغضب فيسترضيه الفضل
  حدثني جحظة قال حدثني جعفر بن المأمون قال:
(١) يوم السعانين: عيد النصارى يخرجون فيه بصلبانهم قبل الفصح بأسبوع.
(٢) في هد، ف: «جلب» بالرفع على الوصفية ل «عشرون».
(٣) مزنرات: لا بسات الزنار وهو منطقة للنصارى والمجوس كانوا يتميزون بها في زيهم.
(٤) الأبيات زيادة في م وا.
(٥) الدستبند: الرقص مع التماسك بالأيدي زرفن أصداغا، أي جعلن حلفات معرب.
(٦) كذا في س، ب، وفي ف، هد، هج «الإبل»، ولعل المراد منه الرقص العربي، والعرب يقسمون بالراقصان من الإبل.