كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار النمر بن تولب ونسبه

صفحة 456 - الجزء 22

  بينما نحن بهذا المربد جلوس - يعني مربد البصرة - إذ أتى علينا أعرابيّ أشعث الرأس، فوقف علينا، فقلنا:

  واللَّه لكأنّ هذا الرجل ليس من أهل هذا البلد، قال: أجل، وإذا معه قطعة من جراب أو أديم، فقال: هذا كتاب كتبه لي رسول اللَّه ، فقرأناه فإذا فيه مكتوب: ، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير - هكذا قال أحمد بن عبيد، وقال الباقون: لبني زهير بن أقيش - حيّ من عكل - إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللَّه وأنّي رسول اللَّه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم الخمس من الغنائم وسهم النبي والصّفيّ⁣(⁣١) فأنتم آمنون بأمان اللَّه وأمان رسوله.

  يشكون في روايته، فيغضب

  وقال أحمد بن عبيد اللَّه في خبره خاصة: «لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم». وقالوا جميعا في الخبر:

  فقال له القوم: حدّثنا رحمك اللَّه، ما سمعت من رسول اللَّه ، فقال: سمعت رسول اللَّه يقول: «صوم شهر الصّبر، وصوم / ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن كثيرا من وحر⁣(⁣٢) الصدر». فقال له القوم: أأنت سمعت هذا من رسول اللَّه ؟ فقال: أراكم تخافون أن أكذب على رسول اللَّه ، لا حدثتكم حديثا، ثم أهوى إلى الصحيفة، وانصاع⁣(⁣٣) مدبرا. قال يزيد بن عبد اللَّه: فقيل لي بعد ما مضى: هذا النمر بن تولب العكليّ الشاعر.

  مثل من كرمه

  أخبرني محمد بن خلف قال: أخبرنا محمد بن سلام، قال:

  خرج النمر بن تولب بعد ما كبر في إبله، فسأله سائل، فأعطاه فحل إبله، فلما رجعت الإبل إذا فحلها ليس فيها، فهتفت به امرأته، وعذلته، وقالت: فهلَّا غير فحل إبلك؟ فقال لها:

  دعيني وأمري سأكفيكه ... وكوني قعيدة بيت ضباعا⁣(⁣٤)

  فإنك لن ترشدي غاويا ... ولن تدركي لك حظَّا مضاعا

  وقال أيضا في عزلها إياه:

  بكرت باللَّوم تلحانا ... في بعير ضلّ أو حانا

  علقت لوّا تكرّرها ... إنّ لوّا ذاك أعيانا

  قال: وأدرك الإسلام فأسلم.

  تخدعه زوجه

  أخبرني الحسن بن عليّ؛ قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن / سلام قال:

  كان للنّمر بن تولب أخ يقال له الحارث بن تولب، وكان سيدا معظما، فأغار الحارث على بني أسد فسبى


(١) الصفى: ما اختاره الرئيس لنفسه من الغنيمة قبل القسمة وجمعه صفايا.

(٢) وحر: حقد وغيظ.

(٣) انصاع: أنفتل راجعا.

(٤) ونرجح أنها مرخم «ضباعة»، وهو اسم زوجته.