كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العديل ونسبه

صفحة 493 - الجزء 22

  فقال له يزيد: عرّضت بنا وخاطرت بدمك، وباللَّه لا يصل إليك وأنت في حيّزي، فأمر له بخمسين ألف درهم، وحمله⁣(⁣١) على أفراس، وقال له: الحق بعلياء نجد، واحذر أن تعلقك حبائل الحجاج أو تحتجنك محاجنه⁣(⁣٢)، وابعث إليّ في كل عام، فلك عليّ مثل هذا، فارتحل. وبلغ الحجاج خبره، فأحفظه ذلك على يزيد، وطلب العديل، ففاته، وقال لما نجا:

  ودون يد الحجاج من أن تنالني ... بساط لأيدي الناعجات عريض

  قال: ثم ظفر به الحجاج بعد ذلك، فقال: إيه، أنشدني قولك:

  ودون يد الحجاج من أن تنالني

  فقال: لم أقل هذا أيها الأمير، ولكني قلت:

  إذا ذكر الحجاج أضمرت خيفة ... لها بين أحناء الضلوع نفيض

  فتبسم الحجاج، وقال: أولى لك! وعفا عنه، وفرض له.

  سادات بكر يشفعون له عند الحجاج

  وقال أبو عمرو الشيباني: لما لجّ الحجاج في طلب العديل لفظته الأرض، ونبا به كلّ مكان هرب إليه، فأتى بكر بن وائل، وهم يومئذ بأدون جميع، منهم بنو شيبان / وبنو عجل وبنو يشكر، فشكا إليهم أمره، وقال لهم: أنا مقتول، / أفتسلمونني، هكذا وأنتم أعزّ العرب؟ قالوا: لا واللَّه، ولكنّ الحجاج لا يراغ، ونحن نستوهبك منه، فإن أجابنا فقد كفيت، وأن حادّنا في أمرك منعناك، وسألنا أمير المؤمنين أن يهبك لنا. فأقام فيهم، واجتمعت وجوه بكر ابن وائل إلى الحجّاج، فقالوا له: أيها الأمير، إنا قد جنينا جميعا عليك جناية لا يغفر مثلها، وها نحن قد استسلمنا، وألقينا بأيدينا إليك، فإمّا وهبت فأهل ذلك أنت، وإمّا عاقبت، فكنت المسلَّط الملك العادل. فتبسّم، وقال: قد عفوت عن كل جرم إلا جرم الفاسق العديل، فقاموا على أرجلهم، فقالوا: مثلك أيها الأمير لا يستثني على أهل طاعته وأوليائه في شيء فإن رأيت ألَّا تكدّ رمننك باستثناء، وأن تهب لنا العديل في أول من تهب! قال: قد فعلت فهاتوه قبّحه اللَّه، فأتوه به، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

  فلو كنت في سلمى أجا وشعابها ... لكان لحجّاج عليّ دليل

  بني قبة الإسلام حتى كأنّما ... هدى الناس من بعد الضلال رسول

  إذا جار حكم النّاس ألجأ حكمه ... إلى اللَّه قاض بالكتاب عقول

  خليل أمير المؤمنين وسيفه ... لكل إمام صاحب وخليل

  به نصر اللَّه الخليفة منهم ... وثبّت ملكا كاد عنه يزول

  - ويروي: به نصر اللَّه الإمام عليهم -

  فأنت كسيف اللَّه في الأرض خالد ... تصول بعون اللَّه حين تصول


(١) في س، ب «وأمر له».

(٢) محاجنه: عصيه المعوجة التي يختجن الناس بها كالخطاطيف.