كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار صخر الغي ونسبه

صفحة 503 - الجزء 22

  ذلك الماء وهو ماء الأطواء⁣(⁣١)، يتفيئون بنخل متأخّر عن الماء قدر رمية سهم. فأقبل يمشي متلثّما، وقد وضع سيفه وقوسه ونبله فيما بينه وبين صاحبه، فلما برز للقوم مشى رويدا مشتملا، فقال بعض القوم: من ترون الرجل؟

  فقالوا: نراه بعض بني مدلج بن مرة.

  ثم قالوا لبعضهم: الق الفتى، فاعرفه، فقال لهم: ما تريدون بذلك الرجل؟ هو آتيكم إذا شرب، فدعوه فليس بمفيتنا، فأقبل يمشي حتى رمى برأسه في الحوض مدبرا عنهم بوجهه، فلما روي أفرغ على رأسه من الماء، ثم أعاد نقابه، ورجع في طريقه رويدا، فصاح القوم بعبد لهم كان على الماء: هل عرفت الرجل الذي صدر؟ قال: لا، فقالوا: فهل رأيت وجهه؟ قال: نعم، هو مشقوق الشّفة، فقالوا: هذا الأعلم، وقد صار بينه وبين الماء مقدار رمية سهم آخر، فعدوا في أثره، وفيهم رجل يقال له: جذيمة ليس في القوم مثله عدوا، فأغروه به، وطردوه فأعجزهم، ومرّ على سيفه وقوسه ونبله، فأخذه، ثم مرّ بصاحبيه فصاح بهما فضبرا⁣(⁣٢) معه، فأعجزوهم، فقال الأعلم في ذلك:

  /

  لما رأيت القوم بال ... علياء دون قدي⁣(⁣٣) المناصب⁣(⁣٤)

  وفريت⁣(⁣٥) من فزع فلا ... أرمي ولا ودّعت صاحب

  / يغرون صاحبهم بنا ... جهدا وأغري غير كاذب⁣(⁣٦)

  أغري أخي⁣(⁣٧) صخرا ليع ... جزهم ومدّوا بالحلائب⁣(⁣٨)

  وخشيت وقع ضريبة⁣(⁣٩) ... قد جرّبت كلّ التجارب

  فأكون صيدهم بها ... وأصير⁣(⁣١٠) للضّبع السّواغب

  جزرا وللطير المربّ ... ة⁣(⁣١١) والذئاب وللثّعالب

  / وهي قصيدة طويلة.


(١) كذا في «شرح السكري لديوان الهذليين»، ولعل المراد بالأطواء قرية باليمامة أو مياه لبني عامر، وفي س، ب: «أطوافهم»، ولم نعثر له على معنى.

(٢) ضبرا معه: عدوا معه.

(٣) كذا في ف و «الديوان» ومعناه قدر، وفي س، ب: قرى، وهو تحريف. والمناصب: الأغراض والمرامي.

(٤) المناصب: المباري المنافس.

(٥) فريت: تحيرت ودهشت.

(٦) في هج، هد: وأغرى كل كاذب.

(٧) في «الديوان»: «أبا وهب».

(٨) الحلائب: الجماعات جمع حلبة غير قياس.

(٩) ضريبة: سيف.

(١٠) كذا في «الديوان» وفي النسخ: الذئب بدل وأصير.

(١١) المربة: المقيمة الملازمة.