أخبار أبي شراعة ونسبه
  فداموا على الزّور الذي قرفوا به ... ودمت على الإعطاء ما جاء سائل(١)
  أبيت وتأبى لي رجال أشحّة ... على المجد تنميهم تميم ووائل(٢)
  قال: وقال أيضا في ذلك:
  أئن كنت في الفتيان آلوت سيدا ... كثير شحوب اللون مختلف العصب(٣)
  فما لك من مولاك إلا حفاظه ... وما المرء إلا باللسان وبالقلب
  هما الأصغران الذائدان عن الفتى ... مكارهه والصاحبان على الخطب
  فإلَّا أطق سعي الكرام فأنني ... أفكّ عن العاني وأصبر في الحرب
  قصة لحن:
  أخبرني عمي قال: أخبرني ميمون بن هارون قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
  كان عندي أبو شراعة بالبصرة، وأنا أتولَّاها، وكان عندي عمير المغني المدني، وكان عمير بن مرة غطفانيا، وكان يغنّي صوتا يجيده، واختاره عليه وهو:
  أتحسب ذات الخال راجية ربّا ... وقد صدعت قلبا يجنّ بها حبّا
  / فاقترحه أبو شراعة على عمير، فقال: أعطني دراهم، حتى أقبل اقتراحك، فقال له أبو شراعة: أخذ المغني من الشاعر يدلّ على ضعف الشاعر، ولكني أعرضك لأبي إسحاق، فغنّاه إياه ثلاث مرات وقد شرب عليه ثلاثة أرطال، وقال:
  عدوت إلى المريّ عدوة فاتك ... معنّ خليع للعواذل والعذر(٤)
  / فقال لشيء ما أرى قلت: حاجة ... مغلغلة بين المخنّق والنّحر(٥)
  فلما لواني يستثيب زجرته ... وقلت: اغترف إنّا كلانا على بحر(٦)
  أليس أبو إسحاق فيه غنى لنا ... فيجدي على قيس وأجدي على بكر
  فغنّى بذات الخال حتى استخفّني ... وكاد أديم الأرض من تحتنا يجري
  ابن المدبر يعطيه عشرة آلاف درهم:
  حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد المبرد قال:
  كان أبو شراعة صديقا لابن المدبّر أيام تقلَّده البصرة، وكان لا يفارقه في سائر أحواله، ولا يمنعه حاجة يسأله
(١) قرفوا به: وصموا.
(٢) رجال أشحة. جمع شحيح، أي بخيل، وفي ف: «أعزة».
(٣) كذا في ف، وفي س، ب: «لئن» وهو تحريف.
(٤) كذا في ف وفي س، ب: «غدوت غدوة». بدل «عدوت» وفي س، ب: مغن، بدل «معن» ومعنى معن: مبالغ في العناء والتجشم.
(٥) مغلغلة: داخلة ممعنة، المخنق: موضع الخناق.
(٦) في ف: «يستثيب» أي يسألني أن أثيبه.