كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي شراعة ونسبه

صفحة 22 - الجزء 23

  إياها، ولا يشفع لأحد إلا شفّعه، فلما عزل إبراهيم بن المدبر شيّعه الناس، وشيّعه أبو شراعة، فجعل يردّ الناس، حتى لم يبق غيره، فقال له: يا أبا شراعة غاية كل مودّع الفراق، فانصرف راشدا مكلوءا من غير قلى واللَّه ولا ملل، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فعانقه أبو شراعة، وبكى؛ فأطال، ثم أنشأ يقول:

  يا أبا إسحاق سر في دعة ... وامض مصحوبا فما منك خلف

  ليت شعري أيّ أرض أجدبت ... فأغيثت بك من جهد العجف!

  نزل الرّحم من اللَّه بهم ... وحرمناك لذنب قد سلف

  إنما أنت ربيع باكر ... حيثما صرّفه اللَّه انصرف

  خلاف حول هلال رمضان:

  قال أبو الفياض سوّار بن أبي شراعة:

  دخل أبي على إبراهيم بن المدبر وعنده منجّم، فماراه⁣(⁣١) إبراهيم بن المدبّر في رؤية / الهلال لشهر رمضان؛ فحكم المنجّم بأنه يرى، وحلف إبراهيم بعتق غلمانه أنّه لا يرى، فرئي في تلك الليلة. فأعتق غلمانه، فلما أصبح دخل الناس يهنئونه بالشهر، فأنشده أبو شراعة يقول:

  أيها المكثر التّجنّي على الما ... ل إذا ما خلا من السّؤّال

  أفتنا في الذين أعتقت بالأم ... س مواليك أم موالي الهلال؟

  لم يكن وكدك الهلال ولكن ... تنألَّى لصالح الأعمال

  إنما لذتاك في المال شتّى ... صونك العرض وابتذال المال⁣(⁣٢)

  ما نبالي إذا بقيت سليما ... من تولَّت به صروف اللَّيالي

  لا يدعي فيغضب:

  قال أبو الفيّاض: وكان أبو شراعة صديق السّدري، فدعا يوما إخوانه، وأغفل أبا شراعة. فمرّ به الرياشيّ.

  فقال: يا أبا شراعة، ألست عند السّدري معنا؟ فقال: لم يدعنا. ومرّ به جماعة من إخوانه، فسألوه عن مثل ذلك، ومرّ به عيسى بن أبي حرب الصّفار - وكان ممن دعي - فجلس وحلف ألا يبرح حتى يأتيه السّدري، فيعتذر إليه، ويدعوه، فقال أبو شراعة:

  /

  أير حمار في حرام شعري ... وخصيناه في حرامّ قدري

  إن أنا لم أشفعهما بوفر ... لو كنت ذا وفر دعاني السّدري

  أو كان من همّ هشام أمري ... أو راح إبراهيم يطري ذكري


(١) س، ب: «فما رآه» تحريف، ماراه: بمعنى عارضه.

(٢) في هج: «في الدد» بدل «في المآل».