ذكر الغريض وأخباره
  فأشرف عليه فقال: يا هذا شربت حراما! وأيقظت نياما! وغنّيت خطأ! خذه عنّي! فأصلحه له وانصرف.
  عطاء بن رباح والأبجر المغني
  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق عن حمزة بن عتبة اللهبيّ قال:
  مرّ الأبجر بعطاء وهو سكران فعذله وقال: شهّرت نفسك بالغناء واطَّرحتها وأنت ذو مروءة، فقال: امرأته طالق ثلاثا إن برحت أو أغنّيك صوتا، فإن قلت لي: هو قبيح تركته؛ فقال له عطاء: هات ويحك! فقد أضررت بي، فغنّاه:
  في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
  فقال له عطاء: الخير واللَّه كلَّه هناك حجّت أو لم تحج، فاذهب الآن راشدا فقد برّت يمينك.
  ابن أبي عتيق والغريض
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني المغيرة بن محمد قال حدّثني هارون بن موسى الفرويّ(١) قال حدّثني بعض المدنيّين قال:
  خرج ابن / أبي عتيق على نجيب له من المدينة قد أوقره(٢) من طرف المدينة المشارب(٣) وغير ذلك، فلقي فتى من بني مخزوم مقبلا من بعض ضياعه، فقال: يا بن أخي، أتصحبني؟ قال: نعم؛ قال المخزوميّ: فمضينا حتى إذا قربنا من مكَّة جنبنا عنها حتّى جزناها فصرنا إلى قصر، فاستأذن ابن أبي عتيق فأذن له، فدخلنا فإذا رجل جالس كأنّه عجوز بربريّة مختضبة، لا أشكّ في ذلك، وإذا هو الغريض وقد كبر، فقال له ابن أبي عتيق: تشوّقنا إليك، وأهدى له ما كان معه، ثم قال له: نحبّ أن نسمع؛ قال: أدع فلانة - جارية له - فجاءت فغنّت، فقال: ما صنعت شيئا، ثم حل خضابه وغنّى:
  عوجى علينا ربّة الهودج
  فما سمعت أحسن منه قطَّ، فأقمنا عنده أياما كثيرة وخبّازه وطعامه كثير.
  ثم قال له ابن أبي عتيق: إني أريد الشّخوص، فلم يبق بمكَّة تحفة عدنيّ ولا يمان ولا عود إلَّا أوقر به راحلته.
  فلمّا ارتحلنا وبرزنا صاح به الغريض: هيا هيا، فرجعنا إليه؛ فقال: ألم ترووا عن النبيّ ÷ أنه قال: «يحشر من بقيعنا هذا سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر»! فقال له ابن أبي عتيق: بلى، / فقال: هذه سنّ لي انتزعت فأحبّ أن تدفنها بالبقيع، فخرجنا واللَّه أخسر اثنين لم نعتمر ولم ندخل مكَّة، حاملين سنّ الغريض حتّى دفنّاها بالبقيع.
  غنى بعض أهل المدينة فطربوا لغنائه
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض أهل المدينة قال: خرج الغريض مع قوم فغنّاهم هذا الصوت:
(١) في أغلب النسخ: «الصوري». وفيء، ط: «الصروي». وفي ح: «القروي» بالقاف، وكل ذلك محرف عن الفرويّ بالفاء وقد ورد كذلك في «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي ص ٤٠٥ طبع أوروبا.
(٢) أوقره: حمله.
(٣) المشارب: جمع مشربة (بالكسر) وهي إناء يشرب به.