أخبار أبي حشيشة
  صوت
  لئن لجّ قلبك في ذكره ... ولجّ حبيبك في هجره
  لقد أورث العين طول البكا ... وعزّ الفؤاد على صبره
  / فإن أذهب القلب وجد به ... فجسمك لا شكّ في إثره
  وأيّ محبّ تجافى الهوى ... بطول التفكَّر لم يبره
  فجعل يردّد البيت الأول والبيت الأخير، وقال لي: لا تخرجنّ يا خليلي من هذا إلى غيره، فلم أزل أردده عليه، حتى شرب ثلاثا، واسترحت ساعة، وشربت وطابت نفسي، ثم استعادني فغنّيته، فأعجب به خلاف الأول، فنظر إليّ وضحك، ولم يقل شيئا، وشرب رطلا رابعا وجاءت المغرب، فقال لي: يا خليلي، ما أشك في أنك قد أوحشت ابني(١) منك، فامض في حفظ اللَّه تعالى. فخرجت أطير فرحا بانصرافي سالما، فلما وافيت أبا أحمد، وبصر بي من بعيد قال: حنطة، أو شعير؟ فقلت، بل سمسم وشهد، انج على رغم أنف من رغم، فقال: ويحك، أتراني لا أعرف فصلك! ولكن أحببت أن أتسعين برأيه على رأيي فيك، وقصصت عليه القصة، فسرّه ذلك، ولم يرض حتّى دسّ إليه محمد بن راشد الخناق، فسأله عني، فقال: ما ظننت أن يكون في صناعته مثله.
  إسحاق يزكيه:
  قال أبو حشيشة: وسمع إسحاق بن إبراهيم الموصليّ غنائي فاستحسنه، فسئل عني، فقال: غناء الطَّنبور كله ضعيف، وما سمعت فيه قطَّ أقوى ولا أصحّ من هذا.
  موت أبي حشيشة:
  حدّثني جحظة، قال: كان سبب موت أبي حشيشة بسرّ من رأى، أن قلما غلام الفضل بن كاووس صار إليه في يوم بارد، فدعاه إلى الصّبوح، فقال له: أنا لا آكل إلا طعاما حارّا، وليس عندك إلا فضيلة من مجليّة، قال:
  تساعدني، وتأكل معي، فأكل منها، فجمّدت دم قلبه، فمات، فحمله إبراهيم بن المدبّر إلى بناته وما كسبه بسر من رأى معه، فاقتسمنه بينهنّ.
  صوت
  سقيا لقاطول لا أرى بلدا ... أوطنه الموطنون يشبهها
  أمنا وخفضا ولا كبهجتها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
  البيت الأول من البيتين لعنان جارية الناطفيّ، والثاني يقال: إنه لعمرو الوراق(٢)، ويقال إنّه لأبي نواس، ويقال بل هو لها.
  والغناء لعريب خفيف رمل. وكان الشعر: «سقيا لبغداد» فعيّرته عريب وجعلت مكانه «سقيا لقاطول».
(١) لعله يقصد بابنه الخليفة، فإنه بمثابة ابنه.
(٢) في هج: «لعمرو الوادي».