أخبار عنان
  قال لي رجل: تصفّحت كتبا، فوجدت فيها بيتا جهدت جهدي أن أجد من يجيزه، فلم أجد، فقال لي صديق: عليك بعنان جارية الناطفيّ، فجئتها فأنشدتها:
  صوت
  وما زال يشكو الحبّ حتى رأيته ... تنفّس في أحشائه وتكلَّما
  فما لبثت أن قالت:
  ويبكي فأبكي رحمة لبكائه ... إذا ما بكى دمعا بكيت له دما
  - في هذين البيتين لحن من الرّمل، أظنّه لجحظة أو لبعض طبقته - قرأت في بعض الكتب:
  تعايي شاعرا:
  دخل بعض الشّعراء على عنان جارية الناطفي، فقال لها مولاها عاييه(١)، فقالت:
  سقيا لبغداد لا أرى بلدا ... يسكنه الساكنون يشبهها
  فقال:
  كأنها فضّة مموّهة ... أخلص تمويهها مموّهها
  فقالت:
  أمن وخفض(٢) ولا كبهجتها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
  فانقطع(٣).
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار، قال: حدّثني ابن أبي سعيد قال: حدّثني مسعود بن عيسى، قال: أخبرني موسى بن عبد اللَّه التّميميّ، قال:
  دخل أبو نواس على الناطفيّ، وعنان جالسة تبكي، وخدّها على رزّة من مصراع الباب، وقد كان الناطفيّ ضربها، فأومأ إلى أبي نواس أن يحرّكها بشيء، فقال أبو نواس:
  عنان لو جدت لي فإني من ... عمري في آمن الرسول بما
  فردّت عليه عنان:
  فإن تمادى ولا تماديت في ... قطعك حبلي أكن كمن ختما(٤)
  فردّ عليها أبو نواس فقال:
(١) المعاياة: أن يأتي بكلام لها لا يهتدي لمثله.
(٢) في ف: «وخصب» بدل «وخفض».
(٣) في ف: «فانقطع الرجل».
(٤) يشير أبو نواس إلى آخر سورة البقرة «آمن الرسول بما أنزل» كأنه يقول: إنني من حبك ما زلت في أول سورة، فأجابته: إن قطعت حبل كنت أنا كمن ختم القرآن.