كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عنان

صفحة 68 - الجزء 23

  قال لي رجل: تصفّحت كتبا، فوجدت فيها بيتا جهدت جهدي أن أجد من يجيزه، فلم أجد، فقال لي صديق: عليك بعنان جارية الناطفيّ، فجئتها فأنشدتها:

  صوت

  وما زال يشكو الحبّ حتى رأيته ... تنفّس في أحشائه وتكلَّما

  فما لبثت أن قالت:

  ويبكي فأبكي رحمة لبكائه ... إذا ما بكى دمعا بكيت له دما

  - في هذين البيتين لحن من الرّمل، أظنّه لجحظة أو لبعض طبقته - قرأت في بعض الكتب:

  تعايي شاعرا:

  دخل بعض الشّعراء على عنان جارية الناطفي، فقال لها مولاها عاييه⁣(⁣١)، فقالت:

  سقيا لبغداد لا أرى بلدا ... يسكنه الساكنون يشبهها

  فقال:

  كأنها فضّة مموّهة ... أخلص تمويهها مموّهها

  فقالت:

  أمن وخفض⁣(⁣٢) ولا كبهجتها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها

  فانقطع⁣(⁣٣).

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار، قال: حدّثني ابن أبي سعيد قال: حدّثني مسعود بن عيسى، قال: أخبرني موسى بن عبد اللَّه التّميميّ، قال:

  دخل أبو نواس على الناطفيّ، وعنان جالسة تبكي، وخدّها على رزّة من مصراع الباب، وقد كان الناطفيّ ضربها، فأومأ إلى أبي نواس أن يحرّكها بشيء، فقال أبو نواس:

  عنان لو جدت لي فإني من ... عمري في آمن الرسول بما

  فردّت عليه عنان:

  فإن تمادى ولا تماديت في ... قطعك حبلي أكن كمن ختما⁣(⁣٤)

  فردّ عليها أبو نواس فقال:


(١) المعاياة: أن يأتي بكلام لها لا يهتدي لمثله.

(٢) في ف: «وخصب» بدل «وخفض».

(٣) في ف: «فانقطع الرجل».

(٤) يشير أبو نواس إلى آخر سورة البقرة «آمن الرسول بما أنزل» كأنه يقول: إنني من حبك ما زلت في أول سورة، فأجابته: إن قطعت حبل كنت أنا كمن ختم القرآن.