كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الغريض وأخباره

صفحة 583 - الجزء 2

  رجع الحديث إلى أخبار الغريض

  قيل إنه كان يتلقى غناءه عن الجن

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية عن مولى لآل الغريض قال:

  حدّثني بعض مولياتي وقد ذكرن الغريض فترحّمن عليه وقلن: جاءنا يوما يحدّثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفنا بعد ذلك حقيقته، وكان من أحسن الناس وجها / صغيرا وكبيرا، وكنّا نلقى من الناس عنتا بسببه، وكان ابن سريج في جوارنا فدفعناه إليه فلقن الغناء، وكان من أحسن الناس صوتا ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته، فلمّا رأى ذلك ابن سريج نحّاه عنه، وكانت بعض مولياته تعلَّمه النيّاحة فبرّز فيها، فجاءني يوما فقال: نهتني الجنّ أن أنوح وأسمعتني صوتا عجيبا فقد ابتنيت عليه لحنا فاسمعيه منّي، واندفع فغنّى بصوت عجيب في شعر المرّار الأسدي⁣(⁣١).

  حلفت لها باللَّه ما بين ذي الغضا ... وهضب القنان⁣(⁣٢) من عيان ولا بكر⁣(⁣٣)

  أحبّ إلينا منك دلَّا وما نرى ... به عند ليلى من ثواب ولا أجر

  فكذّبناه وقلنا: شيء فكَّر فيه وأخرجه على هذا اللحن⁣(⁣٤)، فكان في كل يوم يأتينا فيقول: سمعت البارحة صوتا من الجنّ بترجيع وتقطيع قد بنيت عليه صوت كذا وكذا بشعر فلان، فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه؛ فإنّا لكذلك ليلة وقد اجتمع / جماعة من نساء مكة في جمع لنا سهرنا⁣(⁣٥) فيه ليلتنا والغريض يغنّينا بشعر عمر بن أبي ربيعة:

  أمن آل زينب جدّ البكور ... نعم فلأيّ هواها تصير

  إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا مختلفة ذعرتنا وأفزعتنا، فقال لنا الغريض: إن في هذه الأصوات صوتا إذا نمت سمعته، وأصبح فأبني عليه غنائي، فأصغينا إليه فإذا نغمته نغمة الغريض بعينها فصدّقناه تلك الليلة.


(١) هو المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن فضلة بن الأشتر بن جحوان (بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المهملة الساكنة) بن فقعس بن طريف بن عمرو بن معين بن الحارث بن تغلب بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن نضر بن نزار. والمرار (بفتح الميم وتشديد الراء المهملة) ينسب تارة إلى فقعس وهو أحد آبائه الأقربين وتارة إلى أسد بن خزيمة بن مدركة وهو جدّه الأعلى، وله ترجمة في الجزء التاسع من «الأغاني» طبع بولاق ص ١٥٨ وفي «خزانة الأدب» للبغداديّ ج ٢ ص ١٩٦؛ والمرارون (كما في «القاموس» و «شرحه» مادة مرر سنة): المرار الكلبي، والمرار بن سعيد الفقعسي (وهو هذا) والمرار بن منقذ التميمي، والمرار بن سلامة العجلي، والمرار بن بشير الشيباني، والمرار بن معاذ الحرشي وكلهم شعراء. ثم ذكر أسماء أخرى لمرارين آخرين كلهم شعراء.

(٢) كذا في ح، ء. والقنان: جبل لبني أسد فيه ماء يدعى العسيلة. وفي باقي النسخ: «القيان» بالياء. ولم نجد هذا الاسم في أسماء المواضع.

(٣) كذا في ح ها هنا، وهكذا أيضا وردت في أ، م فيما سيأتي عند إعادتها لبيان نسبة ما فيها من الغناء. وفي باقي الأصول: «ومن بكر».

(٤) في ح: «الحسن». وفي أ، م: «الجنس».

(٥) في هامش ط وفي «نهاية الأرب» (ج ٣ ص ٢٨٦): «سمرنا».