كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحسن بن وهب

صفحة 78 - الجزء 23

  فالتفت إليّ أبي ينظر ما عندي، فتمثّلت:

  وإني ليلحاني على فرط حبّها ... رجال أطاعتهم قلوب صحائح⁣(⁣١)

  فنهض أبي مغضبا وضمّني عمّي إليه، وقبّلني، وانصرفت إلى بنات، فحدّثتها بما جرى وعمّي يسمع، فأخذت العود، فغنّت:

  يلومك في مودّتها أناس ... لو أنّهم برأيك لم يلوموا⁣(⁣٢)

  فيه ثقيل أوّل.

  منى لومه:

  قال أحمد بن سليمان، وعذلته عجوز لنا، يقال لها: منى، فقال لها: قومي، فانظري إليها، واسمعي غناءها، ثم لوميني، فقامت معه، فرأتها، وسمعت غناءها فقالت له: لست أعاود لومك فيها بعد هذا، فأنشأ يقول:

  ويوم سها عنه الزمان فأصبحت ... نواظره قد حار عنها بصيرها

  / خلوت بمن أهوى به فتكاملت ... سعود أدار النحس عنّا مديرها

  أما تعذريني يا منى في صبابتي ... بمن وجهها كالشمس يلمع نورها؟

  تعمت الوسيلة بنات:

  قال أحمد بن سليمان: كان لعمي كاتب يعرف بإبراهيم: نصرانيّ يأنس به، فسأل بنات مسألتها⁣(⁣٣) عمّي أن يجعل رزقه ألف درهم في الشّهر، فلمّا شرب أقداحا، وطرب وثبت قائمة وقالت: يا سيدي لي حاجة، فوثب عمّي، فقام لقيامها، فقالت: تجعل رزق إبراهيم ألف درهم في الشهر، فقال: سمعا وطاعة، فجلست فأنشأ يقول:

  قامت فقمت ولم أكن لو لم تقم ... لأجلّ خلقا غيرها فأقوما⁣(⁣٤)

  شفعت لإبراهيم في أرزاقه ... فوددت أني كنت إبراهيما

  فأجبتها إنّي مطيع أمرها ... وأراه فرضا واجبا محتوما

  ما كان أطيب يومنا وأسرّه ... لو لم يكن بفراقها مختوما

  قال: ثم إن عمي صار إلى أبي، فأخبره الخبر، فأمر أن يجعل لإبراهيم من ماله ألف درهم أخرى لشفاعتها.

  بنات لا تزوره في علته:

  أخبرني الصوليّ: قال: حدّثني إسماعيل بن الخصيب: قال: اعتلّ الحسن بن وهب، فلم تعلم بنات بذلك، وتأخّرت عن عيادته، فكتب إليها:


(١) يلحاني: يلومني.

(٢) في ف:

«يلومك في محبتها رجال»

(٣) هج: «مساءلة».

(٤) في نسخة:

«لأسف وعدا عندنا فأقوما»