أخبار الحسن بن وهب
  فالتفت إليّ أبي ينظر ما عندي، فتمثّلت:
  وإني ليلحاني على فرط حبّها ... رجال أطاعتهم قلوب صحائح(١)
  فنهض أبي مغضبا وضمّني عمّي إليه، وقبّلني، وانصرفت إلى بنات، فحدّثتها بما جرى وعمّي يسمع، فأخذت العود، فغنّت:
  يلومك في مودّتها أناس ... لو أنّهم برأيك لم يلوموا(٢)
  فيه ثقيل أوّل.
  منى لومه:
  قال أحمد بن سليمان، وعذلته عجوز لنا، يقال لها: منى، فقال لها: قومي، فانظري إليها، واسمعي غناءها، ثم لوميني، فقامت معه، فرأتها، وسمعت غناءها فقالت له: لست أعاود لومك فيها بعد هذا، فأنشأ يقول:
  ويوم سها عنه الزمان فأصبحت ... نواظره قد حار عنها بصيرها
  / خلوت بمن أهوى به فتكاملت ... سعود أدار النحس عنّا مديرها
  أما تعذريني يا منى في صبابتي ... بمن وجهها كالشمس يلمع نورها؟
  تعمت الوسيلة بنات:
  قال أحمد بن سليمان: كان لعمي كاتب يعرف بإبراهيم: نصرانيّ يأنس به، فسأل بنات مسألتها(٣) عمّي أن يجعل رزقه ألف درهم في الشّهر، فلمّا شرب أقداحا، وطرب وثبت قائمة وقالت: يا سيدي لي حاجة، فوثب عمّي، فقام لقيامها، فقالت: تجعل رزق إبراهيم ألف درهم في الشهر، فقال: سمعا وطاعة، فجلست فأنشأ يقول:
  قامت فقمت ولم أكن لو لم تقم ... لأجلّ خلقا غيرها فأقوما(٤)
  شفعت لإبراهيم في أرزاقه ... فوددت أني كنت إبراهيما
  فأجبتها إنّي مطيع أمرها ... وأراه فرضا واجبا محتوما
  ما كان أطيب يومنا وأسرّه ... لو لم يكن بفراقها مختوما
  قال: ثم إن عمي صار إلى أبي، فأخبره الخبر، فأمر أن يجعل لإبراهيم من ماله ألف درهم أخرى لشفاعتها.
  بنات لا تزوره في علته:
  أخبرني الصوليّ: قال: حدّثني إسماعيل بن الخصيب: قال: اعتلّ الحسن بن وهب، فلم تعلم بنات بذلك، وتأخّرت عن عيادته، فكتب إليها:
(١) يلحاني: يلومني.
(٢) في ف:
«يلومك في محبتها رجال»
(٣) هج: «مساءلة».
(٤) في نسخة:
«لأسف وعدا عندنا فأقوما»