كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحسن بن وهب

صفحة 88 - الجزء 23

  قال رجل للحسن بن وهب: إن أبا تمام سرق من رجل يقال له مكنف من ولد زهير بن أبي سلمى، وهو رجل من أهل الجزيرة قصيدته التي يقول فيها:

  كأنّ بني القعقاع يوم وفاته ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر

  توفّيت الآمال بعد محمد ... وأصبح في شغل عن السّفر السّفر

  فقال الحسن: هذا دعبل حكاه، وأشاعه في الناس، وقد كذب، وشعر مكنف عندي، ثم أخرجه، وأخرج هذه القصيدة بعينها، فقرأها الرجل فلم يجد فيها شيئا مما قاله أبو تمام في قصيدته: ثم دخل دعبل⁣(⁣١) على الحسن بن وهب، فقال له: يا أبا عليّ، بلغني أنك قلت في أبي تمام كيت وكيت، فهبه سرق هذه القصيدة كلَّها، وقبلنا قولك فيه، أسرق شعره كلَّه؟ أتحسن أنت أن تقول كما قال:

  شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحّت كما محّت وشائع من برد⁣(⁣٢)

  وأنجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد؟

  فانخزل دعبل واستحيا، فقال له الحسن: الندم توبة، وهذا الرجل قد توفّي، / ولعلك كنت تعاديه في الدنيا حسدا على حظَّه منها، وقد مات الآن، فحسبك من ذكره، فقال له: أصدقك يا أبا عليّ، ما كان بيني وبينه شيء قط إلا أني سألته أن ينزل لي عن شيء استحسنته من شعره، فبخل عليّ به، وأما الآن فأمسك عن ذكره، فجعل الحسن يضحك من قوله واعترافه بما اعترف به.

  يعير حماد:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء: قال: حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعي: قال:

  كتب إبراهيم بن محمد بن أبي محمد اليزيدي إلى محمد بن حماد الكاتب يهجوه، ويعيره بعشق الحسن بن إبراهيم بن رباح والحسن بن وهب جاريته وتغايرهما عليها:

  لي خليطان محكمان يجيدا ... ن لما يعملانه حاذقان

  واحد يعمل القسيّ فيأ ... تيك بها في استقامة الميزان

  وفتى يعمل السكاكين في القر ... ن مقرّ بحذقه الثّقلان

  وهما يطلبان قرنا على رأ ... سك فانظر في بعض ما يسألان

  قلت: هل يؤلم الفتى قطع ما ... فيه تريدان أيها الفتيان؟

  فأجابا بلطف قول وفهم ... قم فإنّا إذا لنوكي مدان⁣(⁣٣)

  فاقطع الآن ما برأسك منها ... إن فيما ترى لمحض بيان


(١) في هج: «ثم دخل على تفيئة ذلك دعبل» وتفيئة الشيء: زمانه.

(٢) مح الثوب: بلي والفعل يمح، والوشيعة: المكوك.

(٣) نوكي: جمع أنوك، وبنو المدان: هجاهم حسان بالحمق ثم مدحهم بالفصاحة والطول.