أخبار أحمد بن يوسف
  كان أحمد بن يوسف قد تبنّى جارية للمأمون اسمها مؤنسة، فأراد المأمون أن يسافر ويحملها، فكتب إليه أحمد بن يوسف بهذا الشعر على لسانها، وأمر بعض المغنّين، فغناه به، فلما سمعه وقرأ الكتاب أمر بإخراجها إليه، وهو:
  قد كان عتبك مرة مكتوما
  واعظ غير متعظ:
  وقال محمد بن داود: حدّثني أحمد بن أبي خيثمة الأطروش(١) قال:
  عتب أحمد بن يوسف على جارية له، فقال:
  وعامل بالفجور يأمر با ... لبرّ كهاد يخوض في الظَّلم
  أو كطبيب قد شفّه سقم ... وهو يداوي من ذلك السّقم
  يا واعظ الناس غير متّعظ ... نفسك طهّر أولا فلا تلم
  يقول شعراء على لسان مؤنسة:
  ووجدت في بعض الكتب بلا إسناد: عتب المأمون على مؤنسة، فخرج إلى الشّمّاسيّة(٢) متنزّها، وخلَّفها عند أحمد بن يوسف الكاتب فرجت أن يذكرها إذا صار في متنزّهه(٣)، فيرسل في حملها، فلم يفعل، وتمادى في عتبه، فسألت أحمد بن يوسف أن يقول على لسانها شعرا ترفعه(٤) فقال:
  /
  يا سيدا فقده أغرى بي الحزنا ... لا ذقت بعدك لا نوما ولا وسنا
  لا زلت بعدك مطويّا على حرق ... أشنا المقام وأشنا الأهل والوطنا(٥)
  ولا التذذت بكأس في منادمة ... مذ قيل لي: إن عبد اللَّه قد ظعنا
  ولا أرى حسنا تبدو محاسنه ... إلَّا تذكرت شوقا وجهك الحسنا
  وبعثت به إلى إسحاق الموصليّ، فغناه به، وقيل: بل بعثت به إلى سندس، فغنّته به؛ فاستحسن ذلك، وقال: لمن هذا الشعر؟. فقال أحمد بن يوسف: لمؤنسة يا سيدي تترضّاك، وتشكو البعد منك، فركب من ساعته، حتى ترضّاها، ورضي عنها.
  ووجدت في هذا الكتاب قال:
  كنا مع أحمد بن يوسف الكاتب في مجلس؛ وعندنا قينة، فتحلَّاها(٦) أحمد بن يوسف، فكتب إلى صاحب المنزل:
(١) هد: «أحمد بن خيثمة قال: أخبرنا أبو جعفر الأطروش».
(٢) الشماسية: نسبة إلى بعض شماسي النصارى وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى بغداد.
(٣) كذا في ف، أو في س، ب: «منتزهة».
(٤) في هج: «ترققه به».
(٥) أشنا: أبغض وأصلها بالهمز وسهلت.
(٦) كذا في ف، وفي س، ب: «فتحللها». وتحلاها، بمعنى استحلاها.