أخبار سليمان بن وهب
  التي أمر بها سليمان ما احتاج أحدهما إلى نسخه، وقد أكمل(١) كلّ واحد منهما ما كتب به صاحبه، فاستحسنه وقرّظه، ثم وضع سليمان الكتب بين يدي المهتدي، فقال له وقد قرأها: أحسنت يا سليمان، ونعم الرجل أنت لولا المعجّل والمؤجّل، وكان سليمان إذا ولَّي عاملا أخذ(٢) منه مالا معجّلا، وأجّل له مالا إلى أن يتسلَّم عمله، فقال له: يا أمير المؤمنين، هذا قول لا يخلو من أن يكون حقّا أو باطلا، فإن كان باطلا فليس مثلك من يقوله، وإن كان حقّا - وقد علمت أن الأصول محفوظة - فما يضر من يساهمني من عمالي على بعض ما يصل إليهم من برّ؛ من غير تحيّف للرعية ولا نقص للأموال؟ فقال: إذا كان هكذا(٣) فلا بأس، ثم قال له: اكتب إلى فلان العامل يقبض ضيعة فلان المصروف المعتقل في يده، بباقي ما عليه من المصادرة، فقال له أبو العباس بن ثوابة: كلَّنا يا أمير المؤمنين خدمك وأولياؤك، وكلَّنا حاطب في حبلك، وساع فيما أرضاك وأيّد ملكك، أفنمضي ما تأمر به على ما خيّلت أم نقول بالحق؟ قال: بل قل الحقّ يا أحمد فقال: يا أمير المؤمنين، الملك يقين، والمصادرة. شكّ، أفترى أن أزيل اليقين بالشكّ؟ قال: لا، قال: فقد شهدت للرجل بالملك، وصادرته عن شكّ فيما بينك وبينه، وهل خانك أم لا، فتجعل المصادرة صلحا! فإذا قبضت ضيعته بهذا فقد أزلت اليقين بالشكّ، فقال له: صدقت، ولكن كيف الوصول إلى المال؟ فقال له: أنت لا بدّ لك من عمّال على أعمالك، وكلهم يرتزق، ويرتفق، فيحوز رفقه ورزقه / إلى منزله، فاجعله أحد عمّالك؛ ليصرف هذين الوجهين إلى ما عليه ويسعفه معاملوه، فيتخلَّص بنفسه وضيعته ويعود إليك مالك، فأمر سليمان بن وهب بأن يفعل ذلك، فلمّا خرجا من حضرة المهتدي قال له سليمان: عهدي بهذا الرجل عدوّك، وكل واحد منكما يسعى على صاحبه، فكيف زال ذلك، حتى نبت(٤) عنه في هذا الوقت نيابة أحييته بها، وتخلَّصت(٥) نفسه ونعمته؟ فقال: إنما كنت أعاديه، وأسعى عليه وهو يقدر على الانتصاف مني، فأمّا وهو فقير إليّ فلا. فهذا مما يحظره الدين والصناعة والمروءة. فقال له سليمان: جزاك اللَّه خيرا، أما واللَّه، لأشكرن هذه النيّة لك. ولأعتقدنّك من أجلها أخا وصديقا. ولأجعلنّ هذا الرجل لك عبدا ما بقي. ثم قال الباقطاني: أفمن كان هذا وزنه وفعله يعاب من كان يكتب له؟
  من شعره في نكبته:
  أخبرني محمد بن يحيى الباقطاني: قال: حدّثنا الحسين بن يحيى الباقطاني قال:
  كنت آلف سليمان بن وهب كثيرا، وأخدمه وأحادثه، وكان يخصّني ويأنس بي. / فأنشدني لنفسه يذكر نكبته في أيام الواثق:
  صوت
  نوائب الدهر أدّبتني ... وإنما يوعظ الأريب(٦)
(١) ف: «وقرأ كل واحد منهما ... إلخ».
(٢) أي أخذ العامل من سليمان.
(٣) في ف، هج: «إذا كان هذا هكذا».
(٤) س، ب «ثبت» بدل «نبت»: والمصدر بعد يصحح ما أثبتناه ب.
(٥) في س: «وتحصلت» بدل «تخلصت».
(٦) في ف: «الأديب».