كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن الحارث

صفحة 131 - الجزء 23

١٦ - أخبار محمد بن الحارث

  مروءة أبيه:

  مولى المنصور، وأصله من الرّي من أولاد المرازبة، وكان الحارث بن بسخنّر أبوه رفيع القدر عند السلطان، ومن وجوه قواده، وولاه الهادي - ويقال الرشيد - الحرب والخراج بكور الأهواز كلَّها.

  فأخبرني حبيب المهلَّبي: قال: حدّثني النّوفليّ عن محمد بن الحارث بن بسخنّر: قال: كنت بالدّير، وكان رجل من أهلها يعرض عليّ الحوائج ويخدمني فيكرمني، ويذكر قديمنا، ويترحّم على أبي، فقال لي رجل من أهل تلك الناحية: أتعرف سبب شكر هذا لأبيك؟ قلت: لا، قال: فإن أباه حدّثني - وكان يعرف بابن بانة - بأن أباك الحارث بن بسخنّر اجتاز بهم يريد الأهواز فتلقاه بدجلة العوراء، وأهدى له صقورا وبواشق صائدة، فقال له: الحق بي بالأهواز، فقال له يوما: إني نظرت في أمور الأعمال بالأهواز، فلم أجد شيئا⁣(⁣١) منها يرتفق منه بما قدّرت أن أبرّك به، وقد ساومني التّجّار بالأهواز بالأرز، وقد جعلته لك بالسعر الذي بذلوه⁣(⁣٢)، وسيأتونني، فأعلمهم بذلك، فقلت: نعم، فجاؤوا، وخلصوه منه بأربعين ألف دينار، فصرت إلى الحارث فأعلمته، فقال لي: أرضيت بذلك؟

  فقلت: نعم، قال: فانصرف.

  ولما قفل الحارث من الأهواز مرّ بالمدائن، فلقيه الحسين بن محرز المدائني المغنّي فغنّاه:

  قد علم اللَّه علا عرشه ... أنّي إلى الحارث مشتاق

  فقال له: دعني من شوقك إليّ، وسلني حاجة فإني مبادر، فقال له: عليّ دين / مائة ألف درهم، فقال: هي عليّ، وأمر له بها، وأصعد.

  كان من أصحاب إبراهيم بن المهدي ويسير على منهاجه:

  وكان محمد بن الحارث من أصحاب إبراهيم بن المهدي والمتعصبين له على إسحاق، وعن إبراهيم بن المهديّ أخذ الغناء، ومن بحره استقى، وعلى منهاجه جرى.

  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، عن محمد بن هارون الهاشمي، عن هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهدي: قال:

  جاسوس غير أمين:

  كان المأمون قد ألزم أبي رجلا ينقل إليه كلّ ما يسمعه من لفظ جدّا وهزلا شعرا وغناء، ثم لم يثق به، فألزمه مكانه محمد بن الحارث بن بسخنّر، فقال له: أيها الأمير، قل ما شئت واصنع ما أحببت، فو اللَّه لا بلَّغت عنك أبدا


(١) في س، ب: «فوجدت ليس فيها شيء».

(٢) في س، ب: «بلوه».