كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بكر بن خارجة

صفحة 140 - الجزء 23

  قهوة في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان⁣(⁣١)

  / من كميت يبدي المزاج لها لؤ ... لؤ نظم والفصل منها جمان

  فإذا ما اصطبحتها صغرت في ... القدر تختالها هي الجرذان⁣(⁣٢)

  كيف صبري عن بعض نفسي وهل ... يصبر عن بعض نفسه الإنسان!

  قال: فأنشدتها الجاحظ، فقال: إن من حق الفتوة أن أكتب هذه الأبيات قائما وما أقدر على ذلك إلا أن تعمدني، وقد كان تقوّس، فعمدته، فقام، فكتبها قائما.

  الخمر تفسد عقله:

  وقال محمد بن داود بن الجرّاح في كتاب الشعراء: قال لي محمد بن الحجاج:

  كانت الخمر قد أفسدت عقل بكر بن خارجة في آخر عمره، وكان يمدح ويهجو بدرهم وبدرهمين ونحو هذا فاطَّرح، وما رأيت قطَّ أحفظ منه لكلّ شيء حسن، ولا أروى منه للشعر.

  قال: وأنشدني بعض أصحابنا له في حال فساد عقله:

  هب لي فديتك درهما ... أو درهمين إلى الثّلاثة

  / إني أحبّ بني الطفي ... ل ولا أحبّ بني علاثه⁣(⁣٣)

  (⁣٤) قال ابن الجراح حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال:

  حدّثني بعض أصحابنا الكوفيين قال: حضرنا دعوة ليحيى بن أبي يوسف القاضي وبتنا عنده، فنمت فما أنبهني إلَّا صياح بكر يستغيث من العطش، فقلت له: مالك؟ فاشرب فالدار مليئة ماء، قال: أخاف، قلت: من أي شيء؟ قال: في الدار كلب كبير، فأخاف أن يظنني غزالا فيثب عليّ ويقطعني ويأكلني، فقلت: له ويحك يا بكر! فالحمير أشبه منك بالغزال، قم فاشرب إن كنت عطشان وأنت آمن، وكان عقله قد فسد من كثرة الشراب.

  قال: وأنشدني له، وقد رأى صديقا له قرأ رقعة من صديق له آخر ثم حرقها:

  لم يقو عندي على تحريق قرطاسي ... إلا امرؤ قلبه من صخرة قاسي

  إن القراطيس من قلبي بمنزلة ... تحويه كالسمع والعينين في الرأس⁣(⁣٤)

  ومما يغنّى فيه من شعر بكر بن خارجة:


(١) في ف: «صبها في مكان سوء». بدل «قهوة في مكان سوء».

(٢) في هج: «صغرت في القدر عندي من أجلها الخيزران».

(٣) بنو الطفيل: يريد بهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الذي حدثت أشهر منافرة بينه وبين علقمة بن علاثة، وهو يقصد التورية بكلمة الطفيل.

وبنو علاثة: يريد علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص وقد حكَّما هرم بن قطبة بن سنان الفزاري وقال في هذه المنافرة الأعشى يمدح عامرا ويهجو علقمة.

علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر

(٤ - ٤) الزيادة عن ف.