أخبار يوسف بن الحجاج ونسبه
  فيصير من إفلاسه ... ومن الندامة في سبات
  قال: وشاعت هذه الأبيات وتهاداها الناس، وصارت عبثا بالقيان لكلّ أحد، فكانت المغنية إذا عثرت قالت:
  تعس يوسف!
  الموالي يتعصبون له:
  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: أخبرني عيسى بن الحسن الآدمي: قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن، قال:
  أحضر الرشيد عشرة آلاف دينار من ضرب السّنة ففرّقها، حتى بقيت منها ثلاثة آلاف دينار، فقال: ائتوني شاعرا أهبها له، فوجدوا منصورا النمريّ ببابه، فأدخل إليه، فأنشده، وكان قبيح الإنشاد، فقال له الرشيد: أعانك اللَّه على نفسك، انصرف، فقال: يا أمير المؤمنين، قد دخلت إليك دخلتين، لم تعطني / فيهما شيئا، وهذه الثالثة، وو اللَّه لئن حرمتني لا رفعت رأسي بين الشعراء أبدا. فضحك الرشيد، وقال: خذها، فأخذها، ونظر الرشيد إلى الموالي ينظر بعضهم بعضا، فقال: كأني قد عرفت ما أردتم إنما أردتم: أن تكون هذه الدنانير ليوسف بن الصّيقل، وكان يوسف منقطعا إلى الموالي ينادمهم، ويمدحهم، فكانوا يتعصّبون له، فقالوا: إي واللَّه يا أمير المؤمنين، فقال: هاتوا ثلاثة آلاف دينار، فأحضرت، فأقبل على يوسف. فقال: هات، أنشدنا، فأنشده يوسف:
  تصدّت له يوم الرّصافة زينب
  فقال له: كأنك امتدحتنا فيها، فقال: أجل، واللَّه يا أمير المؤمنين فقال: أنت ممن يوثق بنيّته، ولا تتّهم موالاته، هات من ملحك، ودع المديح، فأنشده أقوله:
  صوت
  العفو يا غضبان ... ما هكذا الخلَّان
  هبني ابتليت بذنب ... أما له غفران؟
  وإن تعاظم ذنب ... ففوقه الهجران
  كم قد تقرّبت جهدي ... لو ينفع القربان
  يا ربّ أنت على ما ... قد حلّ بي المستعان
  ويلي ألست تراني ... أهذي بها يا فلان؟
  فقال الرشيد: ومن فلان هذا ويلك؟ فقال له الفضل بن الربيع. هو أبان مولاك يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: ولم لم تنشدني كما قلت يا نبطي؟ فقال: لأني غضبان عليه، قال: وما أغضبك؟ قال: مدّت دجلة، فهدمت داري وداره، فبنى داره، وعلَّاها، حتى سترت الهواء عني، قال: لا جرم، ليعطينّك الماصّ بظر أمّه عشرة آلاف درهم، حتى تبنى بناء يعلو على بنائه، فتستر أنت الهواء عنه، ثم قال له: خذ في شعرك، فأنشده نحوا من هذا الشعر، فقال للفضل بن الربيع: يا عباسي، ليس هذا بشعر ما هو إلا لعب، أعطوه ثلاثة آلاف درهم مكان الثلاثة الآلاف الدينار، فانصرف الموالي إلى صالح الخازن، فقالوا له: أعطه ثلاثة آلاف دينار كما أمر له أولا، فقال:
  أستأمره، ثم أفعل، فقالوا له: أعطه إياها بضماننا، فإن أمضيت له وإلا كانت في أموالنا، فدفعها إليه بضمانهم،