خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  مرتكب الكبيرة كافر:
  قال هارون: وحدّثني جدّي أبو علقمة، قال: سمعت أبا حمزة على منبر النبي ﷺ يقول: / «من زنى فهو كافر»، ومن سرق فهو كافر، ومن شك أنه كافر فهو كافر:
  برح الخفاء فأين مابك يذهب
  خطبة أخرى ضافية له في أهل المدينة:
  قال هارون: قال جدّي: كان أبو حمزة قد أحسن السيرة في أهل المدينة، حتى استمال الناس، وسمع بعضهم كلامه في قوله: من زنى فهو كافر، قال هارون: قال جدي:
  وسمعت أبا حمزة يخطب بالمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل المدينة؛ مالي رأيت رسم الدين فيكم عافيا(١)، وآثاره دارسة! لا تقبلون عليه عظة، ولا تفقهون من أهله حجّة، قد بليت فيكم جدّته، وانطمست عنكم سنّته، ترون معروفه منكرا، والمنكر من غير معروفا، إذا انكشفت لكم العبر، وأوضحت لكم النّذر، عميت عنها أبصاركم، وصمّت عنها أسماعكم، ساهين في غمرة، لاهين في غفلة، تنبسط قلوبكم للباطل إذا نشر، وتنقبض عن الحق إذا ذكر، مستوحشة من العلم، مستأنسة بالجهل، كلما وقعت عليها موعظة زادتها عن الحق نفورا، تحملون منها في صدوركم كالحجارة أو أشدّ قسوة من الحجارة، أو لم تلن لكتاب اللَّه الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية اللَّه! يا أهل المدينة، ما تغني عنكم صحّة أبدانكم / إذا سقمت قلوبكم إن اللَّه قد جعل لكل شيء غالبا يقاد له، ويطيع أمره، وجعل القلوب غالبة على الأبدان، فإذا مالت القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا، وإنّ القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحّتها، ولا يصحّحها إلا المعرفة باللَّه، وقوّة النّية، ونفاذ البصيرة. ولو استشعرت تقوى اللَّه قلوبكم لاستعملت بطاعة اللَّه أبدانكم. يا أهل المدينة، داركم دار الهجرة، ومثوى رسول اللَّه ﷺ، لمّا نبت به داره، وضاق به قراره، وآذاه الأعداء، وتجّهمت له، فنقله إلى قوم - لعمري لم يكونوا أمثالكم - متوازرين مع الحقّ على الباطل، ومختارين للآجل على العاجل، يصبرون للضّرّاء رجاء ثوابها، فنصروا اللَّه، وجاهدوا في سبيله، وآووا رسول اللَّه ﷺ، ونصروه، واتّبعوا النور الذي أنزل معه، وآثروا اللَّه على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، قال اللَّه تعالى لهم ولأمثالهم ولمن اهتدى بهداهم: {ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه ِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(٢) وأنتم أبناؤهم، ومن بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو تأخذوا بسنّتهم، عمي القلوب، صمّ الآذان، اتّبعتم الهوى، فأرداكم عن الهدى وأسهاكم، فلا مواعظ القرآن تزجركم فتزدجروا، ولا تعظكم فتعتبروا، ولا توقظكم فتستيقظوا، لبئس الخلف أنتم! من قوم مضوا قبلكم، ما سرتم بسيرتهم، ولا حفظتم وصيتهم، ولا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنم قبورهم، فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم. قال: ثم لعن أقواما.
  ثم خطبة رابعة رائعة:
  قال هارون: وحدّثني داود بن عبد اللَّه بن أبي الكرام، وأخرج إليّ خط بن فضالة النحوي بهذا الخبر:
(١) س، ب: «باقيا».
(٢) الحشر: ٩.