خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  حبابة عن يمينه، وسلامة عن شماله تعنّيانه بمزامير الشّيطان، ويشرب الخمر الصّراح المحرمة نصّا بعينها، حتى إذا أخذت مأخذها فيه، وخالطت روحه ولحمه ودمه، وغلبت سورتها على عقله مزّق حلَّتيه(١)، ثم التفت إليهما فقال:
  أتأذنان لي أن أطير؟ نعم، فطر إلى النار، إلى لعنة اللَّه وناره حيث لا يردّك اللَّه.
  ثم ذكر بني أمية وأعمالهم وسيرهم فقال: أصابوا إمرة ضائعة وقوما طغاما جهّالا، لا يقومون للَّه بحق، ولا يفرّقون بين الضلالة والهدى، ويرون أن بني أمية / أرباب لهم، فملكوا الأمر، وتسلَّطوا فيه تسّلط ربوبية، بطشهم بطش الجبابرة، يحكمون بالهوى، ويقتلون على الغضب، ويأخذون بالظنّ، ويعطَّلون الحدود بالشفاعات، ويؤمّنون الخونة ويقصون ذوي الأمانة، ويأخذون الصدقة في غير وقتها على غير فرضها، ويضعونها في غير موضعها، فتلك الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل اللَّه، فالعنوهم، لعنهم اللَّه! وأما إخواننا من هذه الشيعة فليسوا بإخواننا في الدين، لكن سمعت اللَّه ø قال في كتابه: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا}(٢) شيعة ظاهرت بكتاب اللَّه، وأعلنت الفرية على اللَّه لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن، ولا عقل بالغ في الفقه، ولا تفتيش عن حقيقة الصّواب، قد قلَّدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبيّة لحزب لزموه، وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم، غيّا كان أو رشدا، أو ضلالة أو هدى، ينتظرون الدّول في رجعة الموتى، ويؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدّعون علم الغيب لمخلوق(٣)، لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته، بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه، ينقمون المعاصي على أهلها، ويعلمون إذا ظهروا بها، ولا يعرفون المخرج منها، جفاة في الدين، قليلة عقولهم، قد قلَّدوا أهل بيت من العرب دينهم، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة، وتنجيهم من عقاب الأعمال السيئة {قاتَلَهُمُ أللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(٤) فأيّ هؤلاء الفرق يا أهل المدينة تتبعون؟ أو بأيّ مذاهبهم تقتدون؟ وقد بلغني مقالتكم في أصحابي، وما عبتموه من حداثة أسنانهم، ويحكم! وهل كان أصحاب رسول اللَّه - ﷺ وآله - المذكورون في الخير إلا أحداثا شبابا؟ شباب واللَّه مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة(٥) قد / نظر اللَّه إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مرّ أحدهم بآية من ذكر اللَّه(٦) بكى شوقا، وكلما مرّ بآية من ذكر اللَّه شهق خوفا، كأن زفير جهنم بين أذنيه، قد أكلت الأرض جباههم وركبهم، ووصلوا كلال الليل بكلال النهار مصفرّة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، أنضاء عبادة، موفون لعهد اللَّه، منتجزون لوعد اللَّه، قد شروا أنفسهم، حتى إذا التقت الكتيبتان وأبرقت سيوفها وفوّقت(٧) سهامها، وأشرعت رماحها لقوا شبا الأسنّة، وشائك السهام، وظباة السيوف بنحورهم ووجوههم وصدورهم، فمضى الشابّ منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، واختضبت محاسن وجهه بالدماء، / وعفّر جبينه بالثّرى، وانحطَّت عليه الطير
(١) ف: «حلته».
(٢) الحجرات: ١٣.
(٣) ف: «لمخلوقين».
(٤) التوبة: ٣٠.
(٥) أنضاء: جمع نضو، وهو في الأصل البعير المهزول من السفر، والمراد أن العبادة هزلتهم فأنحفتهم.
(٦) ف: «من ذكر الجنة».
(٧) ركبت في الفرق وهو موضع السهم من الوتر، والمراد الإعداد للحرب.