كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله

صفحة 175 - الجزء 23

  من السماء، وتمزقته سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر، طالما بكى بها صاحبها في جوف الليل من خوف اللَّه! وكم من وجه رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد. ثم بكى وقال: آه آه على فراق الإخوان! رحمة اللَّه على تلك الأبدان، وأدخل اللَّه أرواحهم الجنان.

  مروان يغزوهم بجيش يقوده ابن عطية:

  قال هارون: بلغني أنه بايعه بالمدينة ناس منهم إنسان هذليّ، وإنسان سراقي وسكسب⁣(⁣١) الذي كان معلم النحو، ثم خرج، وخلَّف بالمدينة بعض أصحابه، فسار حتى نزل الوادي، وكان مروان قد بعث ابن عطية.

  قال هارون: حدّثني أبو يحيى الزّهري أن مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف استعمل عليهم ابن عطية، فأمره بالجدّ في السير، وأعطى كلّ رجل من أصحابه مائة دينار، وفرسا عربيّا، وبغلا لثقله، وأمره أن يمضي، فيقاتلهم.

  يتيامنون بغلام:

  وقال المدائني: بعث عبد الملك بن عطية السعدي، أحد بني سعد بن بكر في أربعة آلاف، معه فرسان من أهل الشأم ووجوههم، منهم شعيب البارقي، ورومي بن عامر / المرّي، وقيل: بل هو كلابيّ، وفيهم ألف من أهل الجزيرة، وشرطوا على مروان أنهم إذا قتلوا عبد اللَّه بن يحيى وأصحابه، رجعوا إلى الجزيرة، ولم يقيموا بالحجاز، فأجابهم إلى ذلك؛ قالوا: فخرج؛ حتى إذا نزل بالمعلَّى. فكان رجل من أهل المدينة يقال له: العلاء بن أفلح مولى أبي الغيث يقول:

  لقيني وأنا غلام في ذلك اليوم رجل من أصحاب ابن عطية؛ فسألني: ما اسمك يا غلام؟ فقلت: العلاء، فقال: ابن من؟ فقلت: ابن أفلح، قال: أعرابيّ أم مولى؟ قلت: بل مولى، قال: مولى من؟ قلت: مولى أبي الغيث، قال: فأين نحن؟ قلت: بالمعلَّى، قال: فأين نحن غدا؟ قلت: بغالب، قال: فما كلَّمني، حتى أردفني خلفه، ثم مضى بي، حتى أدخلني على ابن عطية، فقال: سل هذا الغلام: ما اسمه؟ فسألني، فرددت عليه القول الذي قلت، فسرّ بذلك؛ ووهب لي دراهم.

  أبو صخر الهذلي يستبشر بابن عطية:

  وقال أبو صخر الهذليّ حين بلغه قدوم ابن عطية:

  قل للذين استضعفوا لا تعجلوا ... أتاكم النصر وجيش جحفل

  عشرون ألفا كلَّهم مسربل ... يقدمهم جلد القوى مستبسل

  دونكم ذا يمن فأقبلوا ... وواجهوا القوم ولا تستخجلوا⁣(⁣٢)

  عبد المليك القلَّبيّ الحوّل ... أقسم لا يفلى ولا يرجّل


(١) في ف: وسكب الذي كان معلم نحو، وسيأتي أنه بشكست في ص ٢٤٨ من هذا الجزء.

(٢) في س، ب: «ذا يمين» بدل «ذا يمن».