خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  يحيى بن عبد اللَّه بن عمر بن السّباق في جمع كثير بالجند، فبعث إليه ابن عطية ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن عطية، فلقيه بالحرب، فهزمه، وقتل عامة أصحابه، وهرب منه فنجا، وخرج عليه يحيى بن كرب الحميري بساحل البحر، وانضمت إليه شذّاذ الإباضية، فبعث إليه أبا أمية الكنديّ في الوضاحية، فالتقوا بالساحل، فقتل من الإباضية نحو مائة رجل، وتحاجزوا عند المساء فهربت الإباضية إلى حضر موت، وبها عامل لعبد اللَّه بن يحيى يقال له:
  عبد اللَّه بن معبد الجرمي(١)، فصار في جيش كثير، واستفحل أمره. وبلغ ابن عطية الخبر، فاستخلف ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن عطية على صنعاء، وشخص إلى حضر موت وبلغ عبد اللَّه بن معبد مسير عبد الملك إليهم، فجمعوا الطعام وكلّ ما يحتاجون إليه في / مدينة شبام(٢). وهي حصن حضر موت مخافة الحصار. ثم عزموا على لقاء ابن عطية في الفلاة، فخرجوا حتى نزلوا على أربع مراحل من حضر موت، في عدد كثير في فلاة. وأتاهم ابن عطية، فقاتلهم يومه كلَّه، فلما أمسى وقد بلغه ما جمعوا في شبام حدر عسكره في بطن حضر موت إلى شبام ليلا.
  ثم أصبح، فقاتلهم حتى انتصف النهار. ثم تحاجزوا، فلما أمسوا، تبع عسكره. وأصبح الخوارج، فلم يروا للقوم أثرا. فاتّبعوهم وقد سبقوهم إلى الحصن، فأخذوا جميع ما فيه وملكوه، ونصب ابن عطية عليهم المسالح، وقطع عنهم المادّة(٣) والميرة، وجعل يقتل من يقدر عليه ويسبي ويأخذ الأموال.
  مصرع ابن عطية:
  ثم ورد عليه كتاب مروان بن محمد يأمره بالتعجّل إلى مكة، ليحجّ بالنّاس، فصالح أهل حضر موت على أن يردّ عليهم ما عرفوا من أموالهم. ويولي عليهم من يختارون، وسالموه(٤)، فرضي بذلك، وسالمهم، وشخص إلى مكة متعجّلا مخفّا. ولما نفذ كتاب مروان ندم بعد ذلك بأيام، وقال: إنا للَّه! قتلت واللَّه ابن عطية؛ هو الآن يخرج مخفّا متعجّلا، ليلحق الحج، فيقتله الخوارج. فكان كما قال: تعجّل في بضعة عشر رجلا، فلما كان بأرض مراد تلفّفت عليه جماعة، فمن كان من تلك الجماعة إباضيّا عرفه، فقال: ما ننتظر بهذا أن ندرك ثأر إخواننا فيه، ومن لم يكن إباضيا ظنه من الإباضية، وأنه منهزم، فلما علم أنهم يريدونه قال لهم: ويحكم! أنا / عامل أمير المؤمنين على الحجّ، فلم يلتفتوا إلى ذلك، وقتلوه، ونصبت الإباضية رأسه، فلما فتشوا متاعه، وجدوا فيه الكتاب بولايته على الحجّ، فأخذوا من الإباضية رأسه، ودفنوه مع جسده.
  قال المدائني: خرج إليه جمانة وسعيد ابنا الأخنس، في جماعة من قومهما من كندة، / وعرفه جمانة لمّا لقيه، فحمل عليه هو وأخوه ورجل آخر من همدان، يقال له: رمّانة. وثلاثة من مراد، وخمسة من كندة، وقد توجّه في طريق مع أربعة نفر من أصحابه. وتوجّه باقيهم في طريق آخر، فقصدوا حيث توجّه ابن عطية، ووجّهوا في آثار أصحابه نحو أربعين رجلا منهم، فأدركوهم فقتلوهم، وأدرك سعيد وجمانة وأصحابهما ابن عطية، فعطف عبد الملك على سعيد، فضربه وطعنه جمانة، فصرعه عن فرسه، ونزل إليه سعيد، فقعد على صدره، فقال له ابن عطية: هل لك يا سعيد في أن تكون أكرم العرب أسيرا؟ فقال: يا عدوّ اللَّه، أترى اللَّه كان يمهلك؟ أو تطمع في
(١) في هج: «عبد اللَّه بن سعيد الحضرمي».
(٢) ب: «سنام» وانظر «معجم البلدان»: «شبام».
(٣) لعلها «المياه» كما في هج.
(٤) ف: «ويسالمون فرضي بذلك وصالحهم».