ذكر نسب القطامي وأخباره
  قال: فمضى حميد حتى يدفع إلى الغوير(١)، وقد كاد الرّمح يناله، فانطلق يريد الباب، فطعن عمير الباب وكسر رمحه فيه، فلم يفلت من تلك الخيل غير حميد وشبل بن الخيتار. فلمّا بلغ ذلك بشر بن مروان قال لخالد بن يزيد بن معاوية: كيف ترى خالي طرد خالك؟.
  / وقال عمير:
  وأفلتنا ركضا حميد بن بحدل ... على سابح غوج الَّلبان مثابر(٢)
  ونحن جلبنا الخيل قبّا شوازبا ... دقاق الهوادي داميات الدّوابر(٣)
  إذا انتقصت من شأوه الخيل خلفه ... ترامى به فوق الرماح الشواجر(٤)
  تسائل عن حيّي رفيدة(٥) بعد ما ... قضت وطرا من عبد ودّ وعامر
  وقال شبل بن الخيتار:
  نجّى الحساميّة الكبداء مبترك ... من جريها وحثيث الشدّ مذعور(٦)
  من بعد ما التثق السّربال طعنته ... كأنّه بنجيع الورس ممكور(٧)
  ولَّى حميد ولم ينظر فوارسه ... قبل التّقرّة والمغرور مغرور(٨)
  فقد جزعت غداة الروع إذ لقحت ... أبطال قيس عليها البيض مشجور
  يهدي أوائلها سمح خلائقه ... ماضي العنان على الأعداء منصور
  يخرجن من برض الإكليل طالعة ... كأنّهن جراد الحرّة الزّور
  / وذكر زياد بن يزيد بن عمير بن الحباب، عن أشياخ قومه، قال:
  أغار عمير بن الحباب على كلب، فلقي جمعا لهم بالإكليل في ستمائة أو سبعمائة، فقتل منهم فأكثر، فقالت هند الجلاحيّة تحرّض كلبا:
  ألا هل ثائر بدماء قوم ... أصابهم عمير بن الحباب!
  وهل في عامر يوما نكير ... وحيّي عبد ودّ أو جناب!
(١) الغوير: ماء لبني كلب بأرض السماوة، بين العراق والشام.
(٢) غوج اللبان: واسع جلدة الصدر.
(٣) القب: جمع أقب، وهو الضامر البطن. والشوازب جمع شازب وهو الضامر، وعن الأصمعي: الشازب: الذي فيه ضمور وإن لم يكن مهزولا.
(٤) ج: «فوت الرماح». والشواجر: المختلفة المتداخلة.
(٥) ج: «عن حيي زبيدة».
(٦) الكبداء مؤنث الأكبد وهو الضخم الوسط ويكون بطيء السير. مبترك: مسرع في عدوه.
(٧) لثق الشيء والتثق: ابتل. الورس: نبت أصفر أو شيء يخرج على الرمث يلون الثوب إذا أصابه. ممكور: مصبوغ بالمكر أي المغرة.
(٨) ج، س: «قبل المغيرة» بدل التقرة وهي: الثبات والسكون. وهي مصدر كالتكرة، والتضرة والتسرة. ولعل الكلمة في البيت: آلتغرة بالغين وهي مصدر غرر بنفسه وماله تغريرا وتغرة: عرضها للهلكة من غير أن يعرف.