كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر وقعة ذي قار

صفحة 234 - الجزء 24

  شيبان، أما لو أنّي⁣(⁣١)، كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة العكم⁣(⁣٢)، فقالوا: فأنت⁣(⁣٣) واللَّه من أوسطنا⁣(⁣٤)، فأشر⁣(⁣٥) علينا، فقال: لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشّابها⁣(⁣٦)، ولكن تكردسوا لهم كراديس⁣(⁣٧)، فيشدّ عليهم كردوس، فإذا أقبلوا عليه شدّ الآخر، فقالوا: فإنّك قد رأيت رأيا، ففعلوا.

  فلمّا التقى الزحفان، وتقارب القوم قام حنظلة بن ثعلبة فقال:

  يا معشر بكر بن وائل، إنّ النّشّاب الذي⁣(⁣٨) مع الأعاجم يعرفكم، فإذا أرسلوه لم يخطئكم⁣(⁣٩)، فعاجلوهم بالَّلقاء⁣(⁣١٠)، وابدؤهم بالشّدّة.

  ثم قام هانئ بن مسعود فقال: يا قوم، مهلك معذور خير من نجاء⁣(⁣١١) معرور⁣(⁣١٢) / وإن الحذر لا يدفع القدر، وإن الصّبر من أسباب الظَّفر، المنيّة ولا الدّنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطَّعن في الثّغر خير⁣(⁣١٣) وأكرم من الطعن في الدّبر، يا قوم، جدّوا فما من الموت⁣(⁣١٤) بدّ، فتح لو كان له رجال، أسمع صوتا ولا أرى قوما، يا آل بكر، شدّوا واستعدّوا، وإلَّا تشدّوا تردّوا.

  ثمّ قام شريك بن عمرو بن شراحيل بن مرّة بن همّام فقال: يا قوم، إنما تهابونهم أنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم، وكذلك أنتم في أعينهم⁣(⁣١٥)، فعليكم بالصبر، فإنّ الأسنّة تردي⁣(⁣١٦) الأعنّة، يا آل بكر قدما قدما.

  ثم قام عمرو بن جبلة بن باعث بن صريم اليشكريّ فقال:

  يا قوم لا تغرركم⁣(⁣١٧) هذي⁣(⁣١٨) الخرق ... ولا وميض البيض⁣(⁣١٩) في الشّمس برق


(١) «المختار»: أما أني لو كنت.

(٢) ج، س: العلم. والعكم: الثوب يبسط ويوضع فيه المتاع ويشد. أو هو أحد العدلين على جانبي الهودج. ويراد بمثل عروة العكم:

الدقة والإحكام كما يشد العكم من العروة.

(٣) «المختار»: قالوا وأنت.

(٤) خد: أوساطنا.

(٥) «المختار»: أشر علينا.

(٦) النشاب: النبل، واحدته، نشابه.

(٧) تكردسوا: تجمعوا، كراديس جمع كردوس وهو القطعة العظيمة من الخيل. ولم تذكر «لهم» في خد.

(٨) ف: التي.

(٩) س، ف: يخطكم.

(١٠) ج: اللقاء.

(١١) ف، و «المختار»: منجي.

(١٢) ف، و «المختار»: مغرور. والمعرور (بالمهملة): من أصابته المعرة. والمعرة أي شدة القتال وأذاه فانهزم.

والنجاء: السرعة في الفرار. وفي «اللسان» (نجا) يقال للقوم إذا انهزموا: قد استنجوا، أي أسرعوا.

(١٣) ج: أكرم ولم يذكر خير. ف: وأكرم منه في الدبر. ولم ترد في «المختار» جملة: والطعن في الثغر خير وأكرم من الطعن في الدبر.

(١٤) «المختار»: «من القوم» بدل: «من الموت».

(١٥) «المختار»: في عيونهم.

(١٦) ج: تودي.

(١٧) خد: لا يغرركم.

(١٨) ج: هذه.

(١٩) البيض (بفتح الباء) جمع بيضة، وهي خوذة المقاتل، والبيض بالكسر جمع أبيض، وهو السيف.