كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه

صفحة 9 - الجزء 3

  أجالدهم يوم الحديقة⁣(⁣١) حاسرا ... كأن يدي بالسيف مخراق⁣(⁣٢) لاعب

  فالتفت إليهم رسول اللَّه فقال: «هل كان كما ذكر»؛ فشهد له ثابت بن قيس بن شمّاس وقال له: والذي بعثك بالحق يا رسول اللَّه، لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه عليه غلالة وملحفة مورّسة⁣(⁣٣) فجالدنا كما ذكر. هكذا في هذه الرواية.

  / وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمي مصعب قال:

  لم تكن بينهم في هذه الأيام حروب إلا في يوم بعاث⁣(⁣٤) فإنه كان عظيما، وإنما كانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب.

  قال الزّبير وأنشدت محمد بن فضالة قول قيس بن الخطيم:

  أجالدهم يوم الحديقة حاسرا ... كأن يدي بالسيف مخراق لاعب

  فضحك وقال: ما اقتتلوا يومئذ إلا بالرطائب والسّعف.

  قال أبو الفرج: وهذه القصيدة التي استنشدهم إياها رسول اللَّه من جيّد شعر قيس بن الخطيم، ومما أنشده نابغة بني ذبيان فاستحسنه وفضّله وقدّمه من أجله.

  أنشد النابغة من شعره فاستجاده:

  أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال قال أبو غزيّة قال حسّان بن ثابت:

  قدم النابغة المدينة فدخل السّوق فنزل عن راحلته، ثم جثا على ركبتيه، ثم اعتمد على عصاه، ثم أنشأ يقول:

  عرفت منازلا بعريتنات⁣(⁣٥) ... فأعلى الجزع للحيّ المبنّ⁣(⁣٦)

  / فقلت: هلك الشيخ ورأيته قد تبع قافية منكرة. قال ويقال: إنه قالها في موضعه، فما زال ينشد حتى أتى على آخرها، ثم قال: ألا رجل ينشد؟ فتقدّم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه وأنشده:

  أتعرف رسما كاطَّراد المذاهب

  حتى فرغ منها؛ فقال: أنت أشعر الناس يا بن أخي. قال حسان: فدخلني منه، وإنّي في ذلك لأجد القوّة في نفسي عليهما⁣(⁣٧)، ثم تقدّمت فجلست بين يديه؛ فقال: أنشد فو اللَّه إنك لشاعر قبل أن تتكلَّم، قال: وكان يعرفني قبل ذلك، فأنشدته؛ فقال أنت أشعر الناس. قال الحسن⁣(⁣٨) بن موسى: وقالت الأوس: لم يزد قيس بن / الخطيم النابغة على:


(١) الحديقة: قرية من أعراض المدينة في طريق مكة، كانت بها وقعة بين الأوس والخزرج قبل الإسلام (كذا في ياقوت).

(٢) المخراق: خرقة مفتولة يلعب بها الصبيان، وتسمى في مصر «بالطرة».

(٣) مورّسة: مصبوغة بالورس وهو نبات أصفر تصبغ به الثياب ويتخذ منه طلاء للوجه.

(٤) بعاث: موضع في نواحي المدينة، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية

(٥) عريتنات: واد ذكره ياقوت في «معجمه»، واستشهد بأبيات لداود بن شكم أولها:

معرّسنا ببطن عريتنات ... ليجمعنا وفاطمة المسير

(٦) المبن: المقيم.

(٧) كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «عليهم».

(٨) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «حسين» وسيأتي قريبا «الحسن» باتفاق النسخ.