كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه

صفحة 8 - الجزء 3

  يخرج وحده بسوطه دون سيفه، فإذا رآه اللص أعطى⁣(⁣١) كل شيء أخذ هيبة له، فإن أمر أصحابه بالرجوع فسبيل ذلك، وإن أبى إلَّا أن يمضوا معه فأتني به، فإني أرجو أن تقتله وتقتل أصحابه. ونزل خداش تحت ظل شجرة، وخرج قيس حتى أتى العبديّ فقال له ما أمره خداش فأحفظه، فأمر أصحابه فرجعوا ومضى مع قيس؛ فلما طلع على خداش، قال له: اختر يا قيس إما أن أعينك وإما أن أكفيك؛ قال: لا أريد واحدة منهما، ولكن إن قتلني فلا يفلتنّك؛ ثم ثار إليه⁣(⁣٢) فطعنه قيس بالحربة في خاصرته فأنفذها من الجانب الآخر فمات مكانه، فلما فرغ منه قال له خداش: إنا إن فررنا الآن طلبنا قومه، ولكن ادخل بنا مكانا قريبا من مقتله، فإن قومه لا يظنون أنك قتلته وأقمت قريبا منه⁣(⁣٣)، ولكنهم إذا افتقدوه اقتفوا أثره، فإذا وجدوه قتيلا خرجوا في طلبنا في كل وجه، فإذا يئسوا رجعوا.

  قال: فدخلا في دارات من رمال هناك، وفقد العبديّ قومه فاقتفوا أثره فوجدوه قتيلا، فخرجوا يطلبونهما في كل وجه ثم رجعوا، فكان من أمرهم ما قال خداش. وأقاما مكانهما أياما ثم خرجا، فلم يتكلما حتى أتيا منزل خداش، ففارقه عنده / قيس بن الخطيم ورجع إلى أهله. ففي ذلك يقول قيس:

  تذكَّر ليلى حسنها وصفاءها ... وبانت فما إن يستطيع لقاءها

  ومثلك قد أصبيت ليست بكنّة⁣(⁣٤) ... ولا جارة أفضت إليّ خباءها⁣(⁣٥)

  / إذا ما اصطبحت أربعا خطَّ مئزري⁣(⁣٦) ... وأتبعت دلوي في السّماح رشاءها⁣(⁣٧)

  ثأرت عديّا والخطيم فلم أضع ... وصيّة⁣(⁣٨) أشياخ جعلت إزاءها

  وهي قصيدة طويلة.

  استنشد رسول اللَّه شعره وأعجب بشجاعته:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال حدّثنا زكريا بن يحيى المنقريّ قال حدّثنا زياد بن بيان⁣(⁣٩) العقيليّ قال حدّثنا أبو خولة الأنصاريّ عن أنس بن مالك قال:

  جلس رسول اللَّه في مجلس ليس فيه إلا خزرجيّ ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم، يعني قوله:

  أتعرف رسما كاطَّراد⁣(⁣١٠) المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب

  فأنشده بعضهم إياها، فلما بلغ إلى قوله:


(١) كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «أعطاه ... أخذه».

(٢) في ط، ح، ء: «نازله».

(٣) في أ، م: «منهم».

(٤) الكنة: امرأة الابن أو الأخ.

(٥) في «ديوانه»: «حياءها» يريد أنه ليس بينه وبينها ستر.

(٦) يريد أنه إذا شرب أربعا اختال حتى جرّ ثوبه من الخيلاء.

(٧) يريد أنه بلغ في السماح منتهاه. يقال: أتبع الدلو رشاءها وأتبع الفرس لجامها إذا بذل آخر مجهوده.

(٨) رويت في صفحة ٣ من هذا الجزء: «ولاية».

(٩) في ط، ى: «بنان» بالنون.

(١٠) الأطراد: التتابع. والمذاهب: واحدها مذهب وهو جلد تجعل فيه خطوط مذهبة بعضها في أثر بعض.