ذكر الدارمي وخبره ونسبه
  وغنّى فيه، وغنّى فيه أيضا سنان الكاتب، وشاع في الناس وقالوا: قد فتك(١) الدارميّ ورجع عن نسكه؛ فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود حتى نفد ما كان مع العراقيّ منها؛ فلما علم بذلك الدارميّ رجع إلى نسكه ولزم المسجد.
  فأما نسبة هذا الصوت فإنّ الشعر فيه للدارميّ والغناء أيضا، وهو خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لسنان الكاتب رمل بالوسطى عن حبش. وذكر حبش أن فيه لابن سريج هزجا بالبنصر.
  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني أبو هفّان قال: حضرت يوما مجلس بعض قوّاد الأتراك وكانت له ستارة فنصبت، فقال لها(٢): غنّي صوت الخمار الأسود المليح، فلم ندر ما أراد حتى غنّت:
  قل للمليحة في الخمار الأسود
  ثم أمسك ساعة ثم قال لها غنّي:
  إني خريت وجئت أنتقله
  فضحكت ثم قالت: هذا يشبهك! فلم ندر أيضا ما أراد حتى غنّت:
  إنّ الخليط أجدّ منتقله
  بخله وظرفه:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد قال حدّثني محمد بن أخي سلَّم(٣) الخزاعيّ قال حدّثني الحرمازيّ قال زعم [لي](٤) ابن مودود قال:
  / كان الدارميّ المكيّ شاعرا ظريفا وكانت متفتّيات(٥) أهل مكة لا يطيب لهن متنزّه إلَّا بالدارمي، فاجتمع جماعة منهنّ في متنزّه لهنّ، وفيهنّ صديقة له، وكلّ واحدة منهنّ قد واعدت هواها(٦)، فخرجن حتى أتين الجحفة(٧) وهو معهنّ؛ فقال بعضهنّ لبعض: كيف لنا أن نخلو مع هؤلاء الرجال من الدارميّ؟ فإنّا إن فعلنا قطَّعنا في الأرض(٨)! قالت لهنّ صاحبته: أنا أكفيكنّه؛ قلن: إنا نريد ألَّا يلومنا؛ قالت: عليّ أن ينصرف حامدا، وكان أبخل الناس، فأتته فقالت: يا دارميّ، إنّا قد تفلنا(٩) فاجلب لنا طيبا(١٠)؛ قال نعم هو ذا، آتي سوق الجحفة آتيكنّ منها بطيب؛ فأتى المكارين فاكترى حمارا فصار عليه إلى مكة وهو يقول:
(١) فتك: مجن.
(٢) لم يتقدم لهذا الضمير مرجع ولكنه مفهوم من سياق الكلام أنه للجارية التي أمرت بالغناء.
(٣) كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «محمد بن أبي سلمة الخزاعي».
(٤) هذه الكلمة ساقطة من ب، س.
(٥) متفتيات: وصف من تفتت الجارية إذا راهقت فخدّرت ومنعت من اللعب مع الصبيان.
(٦) هواها: من تهواه وتحبه.
(٧) الجحفة: قرية بطريق المدينة على أربع مراحل من مكة، وهي ميقات أهل مصر والشأم إن لم يمروا على المدينة، فإن مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة.
(٨) يريد أنه يمزق أعراضهن وينشر ذلك في الأرض بين الناس.
(٩) تفل كفرح: تغيرت رائحته لطول عهده بترك الطيب.
(١٠) في ط، أ، م: «فاحتل لنا طيبا».