كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هلال ونسبه

صفحة 50 - الجزء 3

  غنّى إبراهيم الموصليّ الرشيد يوما:

  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا⁣(⁣١)

  / - قال: والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة يقال له عزّون⁣(⁣٢) - فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مرارا؛ فقال له الموصليّ: يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإنه أخذه عنّي وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني، فأمر بإحضار مخارق، فأحضر فقال له غنّني:

  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا

  فغنّاه إياه؛ فبكى وقال: سل حاجتك! قال مخارق: فقلت: تعتقني يا أمير المؤمنين من الرقّ وتشرّفني بولائك، أعتقك اللَّه من النار، قال: أنت حرّ لوجه اللَّه، أعد الصوت؛ قال: فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: يا أمير المؤمنين ضيعة تقيمني غلَّتها؛ فقال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ فقلت: يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه وما يصلحه وخادم فيه؛ قال: ذلك لك، أعده؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ قلت: حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيل اللَّه بقاءك ويديم عزّك ويجعلني من كل سوء فداءك؛ قال: فكان إبراهيم الموصليّ سبب عتقه بهذا الصوت⁣(⁣٣).

  أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق، وحدّثني به الصّوليّ أيضا عن وكيع عن هارون بن مخارق قال:

  كان أبي إذا غنّى هذا الصوت:

  يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا

  / يقول: أنا مولى هذا الصوت؛ فقلت له يوما: يا أبت، وكيف ذلك؟ فقال: غنّيته مولاي الرشيد / فبكى وقال: أحسنت، أعد فأعدت؛ فبكى وقال: أحسنت! أنت حرّ لوجه اللَّه وأمر لي بخمسة آلاف دينار، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي، وذكر⁣(⁣٤) قريبا مما ذكره المبرّد⁣(⁣٥) من باقي الخبر.

  حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن أبي الدّنيا قال حدّثني إسحاق النّخعيّ عن حسين بن الضّحّاك عن مخارق:

  أن الرشيد أقبل يوما على المغنّين وهو مضطجع، فقال: من منكم يغني:

  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا

  قال: فقمت فقلت: أنا، فقال: هاته؛ فغنيته فطرب وشرب، ثم قال: عليّ بهرثمة، فقلت في نفسي: ما تراه يريد منه! فجاؤوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجرّ سيفه، فقال: يا هرثمة، مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّا؛ فقال: انصرف فانصرف؛ ثم أقبل عليّ فقال: قد كنيتك أبا المهنّا لإحسانك، وأمر


(١) في ط، ء: «نصبا».

(٢) في أ، م، ح: «غزون» بالغين المعجمة وقد تقدم الكلام على هذا الاسم في الحاشية رقم ٢ ص ٥٠ من هذا الجزء.

(٣) كذا في ط، ح، ء. وفي سائر النسخ: «فكان إبراهيم الموصليّ يقول: سبب عتقه بهذا الصوت».

(٤) في ب، س، ح: «فذكر».

(٥) المبرد هو محمد بن يزيد الذي تقدم ذكره في أول السند.