أخبار هلال ونسبه
  غنّى إبراهيم الموصليّ الرشيد يوما:
  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا(١)
  / - قال: والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة يقال له عزّون(٢) - فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مرارا؛ فقال له الموصليّ: يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإنه أخذه عنّي وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني، فأمر بإحضار مخارق، فأحضر فقال له غنّني:
  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا
  فغنّاه إياه؛ فبكى وقال: سل حاجتك! قال مخارق: فقلت: تعتقني يا أمير المؤمنين من الرقّ وتشرّفني بولائك، أعتقك اللَّه من النار، قال: أنت حرّ لوجه اللَّه، أعد الصوت؛ قال: فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: يا أمير المؤمنين ضيعة تقيمني غلَّتها؛ فقال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ فقلت: يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه وما يصلحه وخادم فيه؛ قال: ذلك لك، أعده؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ قلت: حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيل اللَّه بقاءك ويديم عزّك ويجعلني من كل سوء فداءك؛ قال: فكان إبراهيم الموصليّ سبب عتقه بهذا الصوت(٣).
  أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق، وحدّثني به الصّوليّ أيضا عن وكيع عن هارون بن مخارق قال:
  كان أبي إذا غنّى هذا الصوت:
  يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا
  / يقول: أنا مولى هذا الصوت؛ فقلت له يوما: يا أبت، وكيف ذلك؟ فقال: غنّيته مولاي الرشيد / فبكى وقال: أحسنت، أعد فأعدت؛ فبكى وقال: أحسنت! أنت حرّ لوجه اللَّه وأمر لي بخمسة آلاف دينار، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي، وذكر(٤) قريبا مما ذكره المبرّد(٥) من باقي الخبر.
  حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن أبي الدّنيا قال حدّثني إسحاق النّخعيّ عن حسين بن الضّحّاك عن مخارق:
  أن الرشيد أقبل يوما على المغنّين وهو مضطجع، فقال: من منكم يغني:
  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علَّاته وصبا
  قال: فقمت فقلت: أنا، فقال: هاته؛ فغنيته فطرب وشرب، ثم قال: عليّ بهرثمة، فقلت في نفسي: ما تراه يريد منه! فجاؤوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجرّ سيفه، فقال: يا هرثمة، مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّا؛ فقال: انصرف فانصرف؛ ثم أقبل عليّ فقال: قد كنيتك أبا المهنّا لإحسانك، وأمر
(١) في ط، ء: «نصبا».
(٢) في أ، م، ح: «غزون» بالغين المعجمة وقد تقدم الكلام على هذا الاسم في الحاشية رقم ٢ ص ٥٠ من هذا الجزء.
(٣) كذا في ط، ح، ء. وفي سائر النسخ: «فكان إبراهيم الموصليّ يقول: سبب عتقه بهذا الصوت».
(٤) في ب، س، ح: «فذكر».
(٥) المبرد هو محمد بن يزيد الذي تقدم ذكره في أول السند.