ذكر ذي الإصبع العدواني ونسبه وخبره
  إن تزعما أنّني كبرت فلم ... ألف ثقيلا نكسا ولا ورعا(١)
  إمّا تري شكَّتي(٢) رميح أبي ... سعد فقد أحمل السّلاح معا
  / أبو سعد: ابنه، ورميح: عصا كانت لابنه يلعب بها مع الصّبيان يطاعنهم بها كالرّمح، فصار يتوكَّأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها(٣).
  السّيف والرّمح والكنانة قد ... أكملت فيها معابلا(٤) صنعا(٥)
  والمهر صافي الأديم أصنعه(٦) ... يطير عنه عفاؤه قزعا(٧)
  أقصر من قيده وأردعه ... حتّى إذا السّرب ريع أو فزعا
  كان أمام الجياد يقدمها ... يهزّ لدنا وجؤجؤا تلعا(٨)
  فغامس(٩) الموت أو حمى ظعنا(١٠) ... أو ردّ نهبا لأيّ ذاك سعى
  وصيته لابنه عند موته:
  قال أبو عمرو: ولمّا احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا(١١) فقال له: يا بنيّ، إن أباك قد فني وهو حيّ وعاش حتّى سئم العيش، وإنّي موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته، فاحفظ عنّي: ألن جانبك لقومك يحبّوك، وتواضع لهم يرفعوك، / وابسط لهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يسوّدوك؛ وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودّتك صغارهم، واسمح بمالك، واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النّهضة(١٢) في الصّريخ، فإن لك أجلا لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا، فبذلك يتم سوددك؛ ثم أنشأ يقول:
(١) النكس: الرجل الضعيف الذي لا خير فيه. والورع: الضعيف لا غناء عنده.
(٢) الشكة: السلاح.
(٣) في «لسان العرب» مادة رمح: «وأخذ الشيخ رميح أبي سعد: اتكأ على العصا من كبره، وأبو سعد أحد وفد عاد، وقيل هو لقمان الحكيم، قال:
إما تري شكَّتي رميح أبي ... سعد فقد أحمل السلاح معا
وقيل: «أبو سعد كنية الكبر». وفي «القاموس» مادة رمح مثل هذا الذي ذكره صاحب «اللسان» في تفسير «رميح أبي سعد». ولم يرد فيهما شيء مما ذكره أبو الفرج.
(٤) كذا في أكثر الأصول. والمعابل: جمع معبلة وهي نصل عريض طويل. وفي ب، س، ح: «مقابلا» وهو تحريف.
(٥) صنعا: جمع صنيع وهو المجرّب المجلوّ، يقال: سيف صنيع وسهم صنيع أي مجرب مجلوّ.
(٦) أصنعه: أحسن القيام عليه، يقال: صنعت فرسي صنعا وصنعة أي أحسنت القيام عليه.
(٧) العفاء: الشعر الطويل. والقزع: القطع المتفرقة، وكل شيء يكون قطعا متفرقة فهو قزع.
(٨) اللدن: اللبن من كل شيء، ولعل المراد منه هنا الكفل. والجؤجؤ: الصدر. وتلع: منبسط.
(٩) غامس الموت: ورده.
(١٠) ظعنا: جمع ظعينة وهي الزوجة، يقال: هي ظعينة فلان أي زوجته، وهؤلاء ظواعنه أي نساؤه، وسميت الزوجة ظعينة لأن الرجل يظعن بها.
(١١) سمي بأسيد كزبير وبأسيد كأمير، ولم نعثر على نص خاص في هذا الاسم.
(١٢) استعمل ابن جني أسرع متعديا فقال: «ويسرع قبول ما يسمعه» قال صاحب «اللسان»: فهذا إما أن يكون يتعدى بحرف وبغير حرف، وإما أن يكون أراد إلى قبول فحذف وأوصل.